ازمة سياسية طال امد انتظار وصول قطارها الى محطة الانتهاء لكنها وعلى وفق المعطيات المتوفرة اخذت بالاتساع وانحنت باتجاه منحنيات كان من المفترض ان لا تصل اليها اطلاقا.
لكن الحقيقة التي لايمكن نكرانها هي ان السياسة القائمة على أسس التعددية الحزبية تعني
المنافسة ولكنها على نفس القدر من الأهمية حيث أنها تتعلق أيضاً بالبحث عن توفري الحلول المشتركة لصالح الدولة ومواطنيها.
ولايختلف اثنان على ان الحوار الفعال والشامل والمباشر بين الأحزاب السياسية بمثابة عنصر أساس من عناصر السياسة الديمقراطية. حيث أن الصراعات والنزاعات بين الأحزاب
والعلاقات الاستقطابية قد تعمل على إعاقة وسد الطريق في وجه التوصل الى اتفاقيات من شانها تجاوز المختنقات والانسدادات السياسية التي تحصل بفعل اتساع رقعة الخلافات بين هذا الطرف او ذاك.
وعلى النقيض من ذلك فإن توفر مستوى أساس من الثقة والتعاون بين الأحزاب السياسية من شأنه تمهيد الطريق لتحقيق سبل السلام والاستقرار المنشود والنمو المستدام في البلاد. من هذا المنطلق ينبغي تعزيز الحوار بين الأحزاب السياسية وتقويته أيضا بتجاوز اقتصاره على النخب السياسية والعمل على استيعاب النوع الاجتماعي وإدماج الشباب والأقليات ومنظامت المجتمع المدني والجهات الفاعلة الأخرى غير التقليدية مثل الحركات المدنية وإشراكها في عملية صنع القرار السياسي.
ثمة خياران أمام مطبخ القرار السياسي العراقي للتعامل مع اللحظة الراهنة ، الأول ترحيل مكامن الخلافات المتعسرة او المتجذرة إلى مرحلة أخرى، مع خطورة ما في الترحيل من مراكمة للأزمة، وتجذير للهواجس والشروخ الاجتماعية ، والثاني المبادرة إلى بناء توافق سياسي جديد على شروط تجديد المعادلة السياسية وذلك من خلال صيغة تكفل التوازن بين استحقاقات الإصلاح السياسي وردم الشروخ الاجتماعية وترتيب البيت الداخلي من جهة والاعتبارات الأمنية والسياسية العليا من جهة أخرى.
وبحسب المقارنة بين الحلين فان الثاني هو الاقرب للواقع والانجع والطريق الاقصر لردم الهوّة السحيقة وبالتالي احتواء مكامن الخلافات وتوسيع رقعة التفاهم عبر طاولة الحوارات وتعميد اسس القبول بالآخر كشريك في عملية سياسية قدم الشعب العراقي من اجل تعميدها قوافل من الشهداء والمعاقين وخسائر في الارواح والبنى التحتية وليس بمقدور الشعب المجازفة بهذه العملية الديمقراطية مهما كان الثمن.
فالحوار والحوار ولا شئ غير الحوار هو الحل الاوحد للخروج برؤية سياسية موحدة تؤكد للشعب ان طبقته السياسية التي فوضها نيابة عنه في مركز القرار التشريعي قادرة على تجاوز الازمة بلياقة الفن الممكن الذي ليس فيه صديق دائم ولا عدو دائم ايضا. الشعب جالس على التل بانتظار ان يحسم شركاء وفرقاء المشهد خلافاتهم والاسراع بالخروج برؤية موحدة تنهي الازمة الراهنة وتعطي كل ذي حق حقه.