-1-
ليلا يضيئني الحنين، وتفّاح تقاطر مع زخّة المطر.
لم يكن عطرا كما توهّمتْ أصابعي.
كان عرقا تسلّل من مسامّ العشب،
كان تفتّح شموس ليليّة تسرّبت مع الأنفاس.
وكان الماء…
– هل توهّمت حقّا أنّي أحبّك؟
– قليلا …
ما يكفي لأقع في الأزرق المتوهّج،
ما يكفي لتكوني سمائي القريبة.
– لكنّ أصابعك مدرَّبة على الماء…
– ما يكفي فقط لتضمّنا غابة بخار تغلّفنا في ربكة الدّقائق الأولى، ما يفسّر الذّوبان قبل الغطسة العميقة…
ما يجعل من ذراعيّ مجدافين وصدري مركبا وصوتي حداء لقوافل رغبتك النّهريّة.
– تكفيني الشّرفة المطلّة على بحر بعيد، تكفيني خوخة وفيّة لحمرتها والـسّماء المفتوحة على وحْينا…تكفيني قصيدة مغمّسة في الحليب، وغناء الشاعر يشعل نارا دون دخان…

-2-
ليلا يستضيء بيَ الحنين، وعتمة باردة تندلع من جسدي ،
ليلا تورق الشّرفة.
هل دلّكت قدميكِ بما يكفي لتصيرا موجتين صغيرتين على ساحل لا يهدهد ملحَه أحدٌ؟
تقول المحيطات هادرة:
ذلك الغياب لا يخلو من رعشة
فالغرفة مدجّجة بدهشة عينيها الخضراوين،
تُحاكي سريانها في الشرايين،
كأنّها تفتّش في الخلايا عن جينة تبتهل الجسد
كجرس وحيد في كنسية لا يؤمّها أحد.

-3-
كم هي رحبة احتمالات هذا الخريف:
يكفي أن نرسم بالأزرق نافذة على الجدار
لتندلع فيه الحدائق،
يكفي أن تسير قدماك الحافيتان على بلاط الغرفة
لتينع الأبجدية
يكفي أن تشاء يداك
ليتقاطر الشّهد
وتومض بُرُوق في الممرّ المعتم ..

-4-
سأنشدها هذه الأيادي التي تُنبت ثمرة الرّغبة في شجرة الرّوح والجسد الرّماد، لا عاصم اليوم من يديها، هاتين اليدين السّلطة المرئيّة للغواية، سبحانها تينك اليدين الخالقتين الكاذبتين…
يداها ربيعان يخترقان سماء الغرفة نحو خريفي، كمنجتان مجنونتان قُدَّتا من شجرة الأنبياء، تجلدان جسدي العاصي…

-5-
آه يا أخواتي!
لو
رأيتنّ سرب فراشات بسمتها
لو
رأيتنّ حدائق وجنتيها
لو
رأيتنّ سرّتها!
نقطة من العاج على إناء من رخام روماني،
طريّة كعجينة أمّي قبل التنّور…

-6-
سلاما من الشّاعر إلى المُشرقة في العتمة
تربكها بكلماتها العارية
يلوّنها إيقاع أغنياتٍ مستحيلة…
لا أكتب القصيدة،
أنا أترجم رقصتها في حدائق الأبجدية،
أنا النّاي الذي يحوم حول مملكة نهديها العاجيّين
ويلتقط حبّات اللّآلئ النّدية من جيدها السّخيّ.
لا مجد لصوتي خارج أغنيتها.

-7-
تلزمني أبجديّة بآلاف الحروف،
تلزمني غمامات معبّأة بعسل الجنان،
لن أقول قبلتها:
لن أدخل خليّة النّحل تلك،
لن أورّط لغةً تحكمها قرون من الصّحراء والقيظ
في حقل من الكرز،

-8-
كهديل
مازال الحنين يتقاطر شجنا
كخريف
مازال يُرقص أوراق شجراته في الطّرقات
كضوء شارد
مازال يمسح بفرشاته بقع السّواد
كسؤال.
مازال يخيط ثوبا يليق بإجابات حضورها
كماء
مازال يجمّع غيمات من أجل أرضي العطشى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *