منذ تلك الساعة المقلقة ، اتخذت قراري الحاسم ، غير آبه للتبعات كيفما تكون ، ربما لم يخطر مثل هذا القرار على بال أحد غيري ، وقد أكون الوحيد الذي جعله موضع التنفيذ بلا تردد ، وهكذا عاهدت نفسي ومن حولي بألا أتراجع عنه مطلقا باستثناء الحالات التي تجعلني بعيدا عن أهلي وبمسافات طويلة جدا ، فلا أريد ارهاقهم ، او قد يتعذر عليهم الوصول لمكان وجودي ، اما في غير ذلك فليس للقرار سوى متاعب طفيفة تكاد لا تذكر ، ولذلك سألت نفسي مرارا لماذا لم أفكر به من قبل ؟ ما الذي شغلني عنه ، هههههه ، حياتنا مكتظة بالمشاغل حتى لا تتيح لك مراجعة يومك ، فما أن تضع رأسك على الوسادة ، الا وتغط في النوم اذا كنت متعبا ، او تبحر عميقا في عالم الميديا الافتراضي الذي بتنا نقضي معه أوقاتا أكثر من التي نستغرقها مع العائلة او الأصدقاء في الواقع الحقيقي .
أبدى كثيرون استغرابهم عندما أوضحت لهم قراري ودواعيه ، ومنهم من ظنه طرفة ، بالرغم من جدية حديثي ، لأن تداعياته والخسائر المترتبة عليه مهما كانت لن تبلغ مستوى القلق الذي انتابني جراء ما مررت به من حال ، ولن تساوي وقوفك أمام لجنة تحقيقية ، ولن يطول انتظارك بقدر ما انتظرت ، فالتأخير لمدة ساعات او يوم في أقصى الحالات أهون بكثير من الانتظار لمدة خمسة أشهر وربما تزيد ، فالأمر لم يحسم حتى الآن .
ثمة أشياء لا نتحسب لها ، ولا نعرفها بهذا التعقيد الممل ، او ستأخذ من جهدك ووقتك وحالتك النفسية ما لم تتصوره ، عموما الحياة تجارب ، ولن تنتهي دروسها حتى وان بلغت من العمر أواخره ، لذلك عليك التوقف أمام الصغيرة والكبيرة ، وتتخذ قراراتك الجريئة بشأنها ، فلا أفضل من راحة البال ، وأظنك تتفق معي تماما ، ان جل مشكلاتنا ليست وليدة بيوتنا ، بل حصيلة بلدان عرجاء ، وأولها قلق التحسب من ( التائهات ) بحسب تعبير أهلنا الذين يبدو ان التائهات رافقتهم العمر كله ، وهي في بلداننا شتى ، وان وقعت احداها ليس بوسعك سوى رفع يدك للسماء متسائلا : ما الذي فعلته بدنياي لألقى ما ألقى ، لذلك كن حذرا ، ولا تتهاون حتى بأبسط الأشياء ، فمنها ما يجعلك تعض أصابع يدك الخمس وليس السبابة فقط  .
لن أطيل عليكم ، أشعر بترقبكم لمعرفة قراري الذي استدعى كل هذا الكلام ، يا اخوان بعد تفكير عميق قررت عدم حمل أية هوية مهما كان نوعها ، ومهما كانت  المواقف التي يُحتمل التعرض لها ، طالما لست بعيدا عن بيتي ،  فقد فقدت هويتي قبل أشهر برغم حرصي الشديد عليها ، وتفقدها بين الحين والآخر ، ومثل هذا يحصل للناس ، ولا غرابة فيه ، ولكن ما أن تفقد هويتك الا ويخطر في بالك استخدامها في جريمة ، ولا أدري لِمَ يراودنا هذا الاحتمال دون غيره ؟ ويذهب بك الخيال ، فلا تنام ليلك ، ولا يهدأ لك بال .
مذ علمت بفقدانها راجعت الجهات المعنية بدءا من المحكمة ومركز الشرطة وجهات اخرى ، ولك أن تتصور عدد مراجعاتي ، طبعا جميع الاجراءات التي اتخذتها هذه الجهات صحيحة ودقيقة ولابد منها لحمايتك ، وتسهيل مهمة حصولك على هوية جديدة ( بدل ضائع ) ، وقد خففت من قلقي ، ولكن وبرغم  مضي خمسة أشهر لم تنته الاجراءات ، وقد تستغرق أشهرا اخرى ، فقد علمت ان من الاجراءات ارسال المعاملة الى احدى الوزارات .
تأملوا معي ، لو كنت تركت هويتي في البيت ، فأسوأ المواقف احتجازي  لساعات او يوم عند الجهة الأمنية التي تطلبها مني ، وعبر الموبايل أتصل بالأهل لجلبها ،  ما رأيكم ، أليس هذا أفضل ؟ الذي أعرفه ان التكنولوجيا حوّلت الشهر في العالم الى دقائق . لا ، لا ، اطلاقا ، لن أتراجع عن قراري.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *