النموذج الاول
كنت جالسا في (حديقة المدينة) المشهورة في أربيل رأيت هذا المشهد :
جاء رجل ماسك يد طفل واخذه عند الطيور المنتشره في الساحة وتركه يلعب مع الاطفال الاخرين بالركض وراء الطيور ‘ واستدار وجاء وجلس بجانبي واشعل سيكاره موزعا دخانه يمينا ويسارا ..! …دقائق على هذا المشهد ‘و قام من مكانه ماشيا امام الجالسين ‘ دون ان اشعر بشيء معين في تصرفه رأيت نفسي اراقب تصرفاته من جلوسه الى سيره الاستعراضي امامنا ..وفجاءة رايته قد توقف عن المشي و صاح على ابنه أن ياتي ‘ تبين ان الصغير لم يسمعه ‘ كرر مناداته مرات دون نتيجه فذهب بسرعه باتجاه ساحة الطيور ومسك يد ابنه وسحبه وراءه وهو يقاوم ويريد البقاء مع الاطفال ويستمر في اللعب معهم ومع الطيور ‘ كان رد فعل الرجل قد لفت نظر كل المتواجدين في المكان ‘ لانه ترك ابنه وتوجه الى الطيور المتبقيه على ارض الحديقه ويحرك يده باتجاهم كانه يريد طردهم من المكان وبذلك يجبر ابنه ان يذهب معه ..!! وكان اخرمشهد ان الطفل وهو يبكي ويسير وراء والده و ينظر الى السماء كانه يودعهم بالدموع..!
النموذج الثاني
كان في سبعينيات القرن الماضي ‘ الفندق السياحي الوحيد من نوعه يسمى بالدرجة الممتازه في اربيل هو ( فندق هورامان ) ‘ و يديره رجل ذو خبرة سياحيه وادارة فنادق ‘ اتذكره كان يدعو ( أبو فرات ) وتعرفت عليه عن طريق صديقي العزيز عبدالرسول حسين ‘ كان في حينه سكرتير تحرير مجلة ( ألف باء ) وصادف ان نزلت فيه عدد مرات عندما كنت اذهب بمهمة صحفية وهي المرة التى كنت مع الاخ عبدالرسول وفي سهرتنا في الليل ‘ زارنا ابوفرات في غرفتنا ‘وعند حديثنا عن ثقافة السياحة كظاهرة مطلوبة للمواطنين الزائرين للآماكن السياحية يكتمل على ثقافه واهتمام المشرفين على السياحة
وبالصدفه فقط حدث حادث كانه يريد أن يؤكد بالدليل وجهة نظر ابو فرات ‘ كانت غرفتنا بجانب ( سويت خاص ) ضمن فندق مخصص يحجزه عادة شخصيات او عوائل ياتون للسياحة ‘ قال لنا انه الان يسكن في هذا السويت شخصية بدرجة مدير عام في وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي ‘ عند حضوره اتصل بي محافظ اربيل ان اهتم به ..!
صباح اليوم ونحن نهيأ للخروج من الغرفة سمعنا صوت ابو فرات امام الجناح المخصص للسيد المدير العام و يصيح بصوت عالي يقول : الان تطلع من هذا الفندق والا اشمر كل غراضك في الشارع ‘ و سمعنا رد فعل السيدالعام يهدد ابوفرات بانه يذهب الان عند المحافظ ويغلق الفندق ..! ونحن معتمدين على معرفتنا بابي فرات دخلنا الجناح و اقنعنا ابو فرات بان يتركه و خرجنا معه من المكان و عدنا لغرفتنا ‘ فروى لنا ابو فرات تفاصيل الحدث قائلا :
-قلت لكم ان محافظ اربيل اوصاني الاهتمام به ‘ عليه جئت لارى اذا يحتاج اي شيء ‘ عندما دخلت غرفته رايت يمسح حذائه بقماش ستائر الغرفة … فجن جنوني ‘ مديرعام لوزارة مهمة من وزارات الدوله ويتصرف هذا التصرف المتخلف ‘ فقلت له يارجل هذه ستاره وليس ماسح الحذاء ‘ وبدل ان يشعر باي حرج مع نفسه اجابني بشكل استفزازي قائلا : انامؤجر الغرفه وادفع فلوس بدل المحاسبه روح وصي يجيبولي فطور لغرفتي عندي موعد مع المحافظ ‘ عرفت انه شخص متخلف و الظرف فارضه على الموقع وعنوان المسؤولية ‘ قلت له انت تذهب للمطعم و تفطر … طلبنا من ابوفرات بان يهدأ و يشرب معنا الشاي و لم يمر وقت طويلا اتصل محافظ اربيل بابوفرات طالبا منه ان يذهب الى مكتبه ‘ بعد ان عاد حدثنا عن اللقاء مع المحافظ قائلا :
-كان الرجل جالس عند المحافظ ‘ رويت له الحكاية بالتفصيل وشعر بخجل حامل عنوان مديرعام عندما كشفت له ماذا فعل في غرفته ‘ فعاتبه المحافظ بوضوح قائلا : ماكان مفروض ان تعمل هذا العمل الغير لائق ليس حفاظا على الاصول المتبعه في الفندق بل حفاظاٌ على وظيفتك وموقعك في الدولة….!!!
ماذا اقصد في رواية الحدثين ؟
اقصد ‘ ان نفتح باب المناقشه حول سلبيات ظاهرة تسهيل الطريق امام الشخصيات المتخلفة و غير الواعية لمعنى المسؤولية للوصول الى مواقع المسؤولية .
في المجتمعات ‘ كمجتمعنا قضت مع الاسف اكثر المراحل الحياتيه في الصراع بين طموحات الشعب للتطور والبناء و بين المتمسكين بالحكم ‘ لآن الحكام كان اولوية اهتمامهم الدفاع عن البقاء في الحكم اقلا منذ الانقلاب الفوضوي الذي حصل في تموز 1958 ‘ وكان الاهتمام بالوعي الاجتماعي لم يكن من الاوليات ‘ بذلك ‘ اصبح وصول شخصيات معقده كالرجل الذي اذى وكسر قلب ورغبة ابنه ارضاءا لمزاجه الى مواقع المسؤولية في الظروف يكون فيها الانتهازية هى الوسيلة للصعود في ظل احكام فرضت عن طريق القوة والانقلابات او عن طريق الاجنبي المحتل بحيث ظهر بالملموس ‘ ليس مستقبل عامة الناس من مهمتم ‘ بل الاولوية يكون في العمل ( أي عمل ) من اجل الحفاظ على الموقع السلطوي ‘ كذلك الرجل الذي رغم وصوله الى موقع المسؤولية في الدوله لم يؤثر ذلك على تغير سلوكه الانساني والتعامل بوعي يدل انه مستحق الموقع الذي وصل اليه ‘ فان من امثالهم اذا خدمهم الظرف في المراحل الانتهازية و وصلوا الى مواقع المسؤولية المتعلقة بالامن و استقرار الناس ‘ اكيد ينتظرمنهم كل تصرف سلبي في التعامل مع الناس لان الاولية لدى هكذا شخصيات (معقدة اجتماعيا وتربويا ) هو الحفاظ على مصالحهم الشخصية الانانية وما حصل لشعبنا الطيب عن طريق الانقلابات التى ادى الى مرورنا بعصر سحل الابرياء باحبال المنتقمين المعقدين وبعدهم ضحايا قصر النهايةو المقابر الجماعية و اخيرا في زمن الاحتلال الذي اصبح الفساد الظاهرة الاولى في ما يسمى بعصر المحاصصة ضف عليه السجون السرية و انتشار المخدرات و اندحار الشباب و ظاهرة الانحلال الاسري يظهر من خلال الارقام الرهيبة لظاهرة الطلاق ….ألخ ‘ كل تلك الافرازات ناتج عن وصول اشخاص مزاجين من امثال الاب الذي سحل ابنه لانه هو ليس له مزاج التمحل ضمان تحقيق رغبة ابنة و المدير العام الذي لم يشعر بمعنى دوره الرسمي والاجتماعي ليكونوا في مواقع المسؤولية المتعلقة بمصالح الناس
مختصر مفيد :
بعضنا يخاف أن يفكّر، لأنّه إذا فكّر، فقد يتبدّل كلّ كيانه الفكريّ، ويستوحش من كلّ تاريخ التخلّف الذي عاشه. – محمد حسين فضل الله.