تصاعدت لغة الحوار بينهما حتى كادا يتقاتلان .
انه الحوار الساخن في أبشع صوره لينقلب وبالا على أصحابه دون أن يجنو ثماره ليكون بالتالي أشبه بالجدل العقيم الذي لا يغني شيئا .
انه الاختلاف في الرؤية ..اختلاف تعمقت جذوره فلم نعد نلمس منه سوى التناحر والبغضاء والخصومة ، وكان يجدر بهذا الاختلاف ألا يكون سببا في خلق أزمات لا مبرر لها .. اذ أن الاختلاف بحد ذاته شيء مقبول بل وحضاري ، غير أن الجهل يجعل منه أداة للتناحر .
اننا جميعا نحمل رؤى مختلفة ولكنها يجب أن تكون منسجمة وعلى وفاق في مواجهة الأخطار .
انه لا يمكن أن نرى كل ما حولنا بمنظار واحد ، فقد نتفق على حقيقة ونختلف على أخرى .. اذ ثمة بون شاسع بين حقيقة مطلقة وحقيقة نسبية .
فالحقيقة المطلقة لا يمكن المراهنة على الاختلاف حولها الا من كانت في عينيه غشاوة ، أما الحقيقة النسبية فان الاختلاف فيها أمر لا غبار عليه .
فحينما تكون السماء صافية الأديم ليس فيها ثمة سحب نراها جميعا كما هي دون اختلاف ، وحينما يظللنا الربيع بجماله ودفئه وعبقه نشعر بالراحة والسعادة حياله جميعا ، وحينما تكون الحياة قاسية علينا وتضيق بنا سبلها، فاننا نتألم وتهتز فينا المشاعر والأحاسيس من وطأة المعاناة الواقعة علينا .
فهل أنت ترضى لنفسك أن تصفق للظالم فأصفق معك ؟ وهل تغفر لمن أحال حياتك الى جحيم لأغفر له معك ؟ ثم هل تريدني بعد ذلك أن أقف موقف الضعيف العاجز الذي يبيع وطنه بثمن بخس ؟
انها الحقيقة المطلقة لا يختلف عليها اثنان تفرض نفسها دون تردد ، غير أن الحقيقة النسبية تتباين فيها وجهات النظر ، وكل رأي يطابق العقل والمنطق فهو رأي صائب لا مساومة معه ولا رهان.
اذا كان الطعم حلوا فمن ذا الذي يقول عنه أنه مر ، واذا كانت المرأة جميلة فمن ذا الذي يقول عنها أنها قبيحة ، واذا كان الرجل مجنونا فمن ذا الذي يقول عنه أنه عاقل .
تلك بديهيات من الغبن أن نختلف فيها .. غير أن الاختلاف في الأفكار هو في حد ذاته أمر يلازمنا منذ سنوات حياتنا الأولى هو أمر ليس لنا حيلة فيه ، اذ لا يمكن أن تكون أفكارنا جميعا على نسق واحد وهو اختلاف كما الاختلاف في الأبدان .
ولعل أخطر ما في المسألة أن ننساق وراء تعصب أعمى ورثناه منذ ولادتنا لنفقد بعد ذلك الرؤية الصائبة .