تأتي موضوعة التنمية بكل جوانبها، في مقدمة اهداف وعمليات الاصلاح والحداثة والتقدم الاجتماعي والثقافي والقيمي المنشودة في بناء اي مجتمع ودولة، ومن ابرز جوانب تلك التنمية هو الاعلام، لما له من دوركبير وفاعل في تطوير النسق السياسي داخل البيئة المجتمعية كونه المحرك الاول والاهم في قيادة حركة الجماهير وبناء الرأي العام مشكلا القواعد الشعبية التي تنطلق منها تلك التوجهات للاسهام والمشاركة في العمليات السياسية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية السياسية وبنائها وتطويرها، وبخاصة بعد ان اصبحت نسب المشاركات السياسية وحجمها ونوعيتها احد اهم المعاير لشرعية السلطة السياسية في اي مجتمع من المجتمعات ناهيك عن الترابط الجدلي بين الاعلام وبناء وتطوير التنمية السياسية، فاحدهما يكمل الاخر.
ولا تتحقق التنمية السياسية الناضجة في غياب الاعلام كونه الوسيلة الاسهل لتوصيل المعلومات والافكار والاحداث والقناعات الى الجماهير، وعلى الجانب الاخر لا يكون للاعلام دور وساحة فاعله مؤثرة وصوت مسموع دون وجود تنمية سياسية تدفع باتجاه معرفة الحقوق والواجبات سعيا لخدمة الوطن والمواطن بل الانسانية جمعاء وفي مختلف ميادين الحياة لان بناء التنمية السياسيه يعني عملية بناء اجتماعي انساني وطني من خلال طرح ونشر وبث البرامج التي تاخذ بيد الناس بالاتجاهات السياسية الصحيحة التي تعتمد اسس وقواعد وثوابت المنطلقات الديموقراطية التعددية التي تحترم وجهات النظر المختلفة المغايرة المبنية على اسس ومبادئ الانتماء الوطني.
ركائز البناء
ومن هنا يعتبر الاعلام احد اهم ركائز بناء التنمية السياسية المستدامة التي تعتبر الاساس لجميع انواع التحولات في تحقيق الاستقرار بكل مفاصله ومستوياته، وبالتالي امتلاك الوعي السياسي الذي يساعد على معرفة الحقوق والواجبات وصولا لتحقيق كافة مجالات الرفاهية اضافة الى بناء العلاقات الانسانية ونموها الشامل.
وهناك من يصف اجهزة الاعلام بأنها المرأة العاكسة لتنوع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهنا يبرز احد اهم ادوار الاعلام في صناعة الحريات المنظمة واهميتها في بناء وصياغة الديموقراطية الرصينة وكما معمول به في البلدان والدول الديمقراطية التي يكون فيها للاعلام الدور الفاعل والمؤثر والاوسع حيث تتعدد مصادره ومؤسساته على العكس مما نراه في الانظمة الشمولية حيث يكون الاعلام احد اجهزة النظام ويوجه بحسب قناعات الاحزاب الحاكمة، ونحن في العراق الجديد بامس الحاجة الان الى تطوير المؤسسات الاعلامية المهنية الوطنية التي يكون لها دورا حاسما في عمليات التثقيف والتوعية الوطنية بكل اشكالها ومعانيها من اجل القدرة على تفعيل دور المواطن وتمكنه من المشاركة في جميع الحوارات الهادفة لبناء العملية السياسية وتحقيق التطور في النمو والتنمية السياسية الناجحة والرصينة التي تنعكس بالضرورة على القرارات من خلال صناعة وتحقيق الثقة والشراكة المتبادلة بين المواطن والمسؤول او صاحب القرار،كما لايمكن تحقيق تنمية سياسية في غياب الاعلام وكذلك لا يمكن بناء مؤسسات اعلامية هادفه بدون تنمية سياسية تعمل بنهج واضح وتنسيق عالي مع اجهزة الاعلام المختلفة التي تقوم بتعريف المواطنيين بحقوقهم وواجباتهم من اجل الاسهام في بناء الدولة والمجتمع.
مثل هذه الاهداف والنشاطات والمسارات تعتمد على الوجود المهني العلمي والفعلي المتطور والملموس للاعلام في الميدان وعلى الساحة، والقدرة على الوصول الى الناس من خلال البرامج والاهداف والمسارات المهنية المرسومة و التي يخطط لها ويضعها ويعتمدها بمهنيه عاليه للوصول من خلالها الى الجماهير المستهدفة التي بحاجة الى الوعي والتحفيز وتنشيط وزيادة فعاليتها والعمل على تغيير بيئتها من اجل ايصال رسائله التي تلامس وتحاكي احتياجات الجماهير بموضوعية ومصداقية لتتمكن من تحقيق النمو السياسي والمشاركة السياسية.
احتواء الاعلام
ومن هذا المنطلق عملت جميع الدول الكبرى من اجل احتواء وسائل الاعلام والسيطرة عليها كونها تشكل العامل الاساسي والمساعد للسيطرة على الصراعات الدولية والاقليمية في جميع جوانبها بعد ان اصبح الاعلام يلعب دورا كبير في تنفيذ السياسات الدولية ويتم استعماله بقوه وكثافة وبكل الاساليب المتاحة والمتنوعه خاصة بعد انتشار الاقمار الصناعية وجميع وسائل التواصل الاجتماعي ويتضح ذلك من اهمية هذا الانتشار وفعله المتحقق وبهذه الفاعلية ،لهذا اصبحت الدول وصناع القرار والراي لا يواجهون صعوبة في بث ونشر اخبارهم ومعلوماتهم وبرامجهم ومنشوراتهم ونشاطاتهم بسهولة مطلقة لتصل خلال دقائق الى اهدافهم والى ابعد نقطة في هذا العالم لتدخل كل بيت وتستقطب الراي العام بشكل مباشر على الرغم من ان مثل هذه التاثيرات تبقى متفاوتة ومتباينة تعتمد على مدى امكانيات السياسيين واحزابهم وفعالياتهم في تنفيذ مخططاتها والترويج لمشاريعها واغراضها الدعائية واكبر مثال على ذلك الولايات المتحده الامريكية واستخدامها الوسائل الناعمة الجذابة لأمركة العالم بما يتلائم مع سياساتها الخارجية وبهذا الشكل يمارس الاعلام بمختلف وسائله التاثير بالراي العام، ويظهر ان كلما زاد المواطن من متابعته وتعرضه لوسائل الاعلام كلما زادت رغبته ومتابعته للفعاليات والتغيرات والاحداث السياسية بل زادت رغبته في الانظمام الى الاحزاب والتجمعات والاتحادات والجمعيات والنشاطات والمشاركات السياسية وبشكل ميداني وعملي وهذا يحدث بفعل الاعلام ودوره الاساسي في تشكيل الوعي السياسي لدى الناس وصولا لتحقيق المصالح وتحديد الاطر لهذه المفاهيم الجديدة التي تتداخل في العمليات ومصطلحاتها الكثيرة ، ومنها التنمية السياسية .
كما يتمتع الاعلام بالدور الرقابي، لأن من صميم عمله متابعة الاحداث والاطلاع على كل الحقائق والمعلومات لفلترتها والتاكد من صحتها وتوثيقها من اجل وضعها بين يد المواطنين ناهيك عن دور الاعلام ومؤسساته في المشاركة الجماهرية الواسعة في رسم السياسات العامة في الدولة والمساعدة على تنفيذها بأعتباره القاسم المشترك في جميع العمليات والفعاليات والنشاطات وعلى جميع المستويات التي تحقق النمو السياسي المطلوب بالشكل الذي يتلائم وينسجم وصيغة المشاركة الواسعه للجماهير في العملية السياسية الديموقراطية وكما ذكرنا فأن المشاركة السياسية الجماهيرية هي بمثابة معيار شرعية السلطة السياسية في جميع الدول والمجتماعات .
ان الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الاعلام جعلت منه السلطة الحاوية لكل السلطات وقاسمها المشترك، حيث جعل من الافراد والناس عامة ادواة فاعلة وهامة في توجيه السياسة ورسم الدبلوماسية، وبات كل مواطن بأمكانه ان يوصل صوته الى من يريد ومتى يريد وكيفما يريد، ولم يقتصر الامر على ذلك، بل حول الاعلام كل الناس الى مصادر للخبر، والمعلومة ، فمن حق اي شخص ان يبث مالديه من معلومات للعامة، عبر استخدام اي وسيلة من وسائل الاعلام، بضمنها الوسائل المتاحة ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، ليتلقى الرد والتفاعل بعدها من الالاف ، بل وربما الملايين، لذا نشاهد كبار القادة والساسة العالمين والرؤساء لهم حسابات على تويتر يغزدون وبشكل يومي لنقل افكارهم وارائهم الى الناس ولكافة المستويات والشرائح الاجتماعية، لذا نقول ان الاعلام اصبح سلطة فاعلة وقوة مؤثرة في عمليات التنشئة السياسية من اجل خلق تفاعل مجتمعي واحد اهم جسور التواصل بين الحاكم والمحكوم و بين القادة والسياسيين واحزابهم وبين الجماهير .