ليس حل البرلمان امرا غريبا او سيئا في النظام الديمقراطي البرلماني. تلجأ الدول الى هذا الخيار في حالات عدة منها عدم فرز الانتخابات لاغلبية واضحة تستطيع تولي الحكم على قاعدة اغلبية حاكمة واقلية معارضة. واعني بالاغلبية الواضحة الاغلبية البسيطة، اي اغلبية النصف زائد واحد، وهو الامر المعمول به في بريطانيا مثلا، ولكن لا ينص عليه الدستور العراقي الذي يحيل حق ترشيح الشخص الذي يتولى تشكيل مجلس الوزراء الى “الكتلة النيابية الاكثر عددا”. كما يصح اللجوء الى حل البرلمان اذا فشل البرلمان في القيام بوظائفه المنصوص عليها في الدستور. وقد تحققت الحالتان في البرلمان الحالي. وقد بينت المادة (64/ اولا) طريقة حل البرلمان بالشكل التالي: “يُحل مجلس النواب، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، (١) بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، (٢) او طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”. وبما ان الحكومة الحالية غير مخولة بذلك، فان مسالة حل البرلمان محصورة الان بالخيار الاول، اي “بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه”. وقد سمعت ان حركة امتداد وحليفها الجيل الجديد قد يسعيان الى ذلك. وهذه خدمة عظيمة يمكن ان تقدمها الحركتان اذا اقدمتا فعلا على ذلك، لان البرلمان الحالي اضحى عاجزا عن اخراج الدولة من ازمتها الحالية، وفشل في اداء وظائفه حينما ارتضى لنفسه ان يكون ضحية عدم الاتفاق بين السياسيين حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة. ولست ادري لِمَ يرفض بعض الاطراف حل البرلمان الان.
ولكي تنجح الانتخابات المقترحة فيما فشلت فيه انتخابات العاشر من شهر تشرين الاول من العام الماضي، فان على القوى السياسية ان تخوضها بالية جديدة، خلاصتها تقليص عدد القوى المتنافسة الى ادنى درجة ممكنة. وكمثال على ذلك، فاني اقترح على قوى الاطار التنسيقي مثلا ان لا تتنافس فيما بينها في الدائرة الواحدة، بحيث تقدم مرشحا واحدا يمثل كل هذه القوى في الدائرة الواحدة. وكذلك تفعل قوى التحالف الثلاثي. هذه طريقة. واذا اصرت القوى ان تخوض الانتخابات بطريقة المكونات، فاني اقترح ان لا تتنافس القوى الشيعية فيما بينها في الدائرة الواحدة، وكذلك تفعل الاحزاب السنية والاحزاب الكردية.
وفي نفس الوقت، فاني اقترح ايضا، في حالة وجود اطراف اخرى غير محسوبة على الاطار او التحالف الثلاثي، ان تخوض الانتخابات بنفس الطريقة، اي ان لا تتنافس فيما بينها في الدائرة الواحدة.
وباي من هاتين الطريقتين، فان الطرف المعني سوف يتجنب تشتيت اصوات ناخبيه وخسارتها، ويتمكن من الحصول على مقاعد في مجلس النواب يناظر عدد الاصوات الفعلية التي حصل عليها.
وفي نفس الوقت، فاني ادعو الجميع الى المشاركة في الانتخابات وعدم مقاطعتها او التكاسل في الذهاب الى مراكز التصويت.
واذا امكن حماية الانتخابات من التزوير والتلاعب، فان الانتخابات المقترحة سوف تكون اكثر تعبيرا عن ميزان القوى السياسي الحقيقي في البلد، ويمكن ان تسفر عن اغلبية برلمانية قادرة على تشكيل الحكومة، وعليه فيجب على الجميع القبول بنتائجها والتصرف على هذا الاساس. حيث تتولى الأغلبية الفائزة بالاغلبية البسيطة تشكيل مجلس الوزراء، وليذهب الطرف الخاسر الى المعارضة بدون نقاش او جدال.
هذا هو الحل الديمقراطي الوحيد للازمة الحالية. وكل الافكار والمقترحات التي تدور خلف الابواب المغلقة وكواليس الاحزاب السياسية ونسمع عنها عن طريق التسريب فهي لا تمثل حلولا ديمقراطية او دستورية للازمة، بل هي عبارة عن ترحيل للازمة وتعميق لمسبباتها. وكما كررت في مقالاتي السابقة فان الحلول لا يصح ان تكون على طريق “خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء”. وحل مجلس النواب خطوة الى الامام في طريق تعزيز الديمقراطية واحترام الدستور، ولا يتضمن خطوتين الى الوراء.