لا يفر أحد من وطنه الا اذا وقع عليه ظلم دون أن تكون له القدرة على مواجهته ، ولا يفر أحد من وطنه الا اذا ارتكب جرما بشعا يخاف أن ينال منه العقاب ، ولا يفر أحد من وطنه الا اذا ضاقت عليه سبل العيش فلا يجد مبررا لبقائه تحت خيمة البؤس والفقر .
أما عدا ذلك فانها أسباب تبدو غير معقولة للفرار من الوطن .
انه لا أحد يغادر الوطن اذا توفرت له الحرية والأمن وفرصة العمل ، لا أحد يريد أن يترك وطنه وهو ينعم تحت ظلاله بما تطيب له نفسه .
قد نغادر وطننا أحيانا بعض الوقت سائحين ثم نرجع اليه وفي قلوبنا أشواق لا توصف .. انه حب الوطن والحنين اليه .
غير أن الوطن حينما يكون في محنة وتضيق أنفاسنا تحت جوانحه فاننا حينئذ نكون في حل من البقاء على أرضه .
وحينما يضطر المرء الى الفرار من وطنه خفية وسرا فمعنى ذلك أن المظالم قد ازدادت لتنغص له عيشه وتقلق مضجعه وتجرح مشاعره .
لكن الى أين الفرار ونحن لا نعرف أي أرض تقلنا وأي مجهول ينتظرنا ؟
ترى هل سنكون سعداء حينما تطأ أقدامنا أرضا مجهولة ؟ كيف هم ناسها ؟ وأي أخلاق يتخلقون بها ؟ بل وأية لغة يتحدثون بها ؟ وأية فرصة عمل ستوفر لنا الطموحات القليلة التي تراودنا ؟
أترى هذا الفرار مجرد مغامرة قد تجعل غدنا أتعس من حاضرنا ؟ أم أنه لا وسيلة غيرها لتنقذنا مما آلت اليه أمورنا ؟
قد نكون مخطئين وقد نكون صائبين , ومع ذلك فقد نكون مجبرين على فعل ذلك .
يتمثل البعض بقول الشاعر ( وطني وان جار علي عزيز وأهلي وان بخلوا علي كرام )
يبقى الوطن حقا عزيزا علينا لا ننكر فضله ولا ننسى محاسنه غير أن الفرار منه ساعات البأساء والضراء أمر لا بد منه .
وأرض الله واسعة فلماذا لا نهجر الأرض التي أذاقتنا المر والعلقم عسى أن نجد أرضا تحنو علينا وتكون أرحم بنا من الأرض التي ولدنا عليها ؟ وكيف يمكننا البقاء في أرض كثر فيها الجلادون والمتعطشون لاراقة الدماء حتى ضاع معها حق الحياة ؟ ما جدوى بقائنا في أرض يتسلط فيها من في قلبه ضغينة على أبناء قومه ؟
وهكذا يرى البعض منا أن الفرار الى المجهول مهما كان هذا المجهول هو الدرء الوحيد الذي يرد الينا اعتبارنا وأنه المتنفس الوحيد لعودة الروح الى أبداننا بعد أن ضاعت سنوات أعمارنا هدرا دون طائل .
وهكذا أيضا نجد أن لدينا المبررات لهذا الفرار كي لا نندم بعدها على القرارات التي اتخذناها بهذا الشأن مهما لاقينا من صعوبات في الحياة الجديدة التي قد تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت السارة أو المؤلمة ، وأنه علينا أن نتقبلها مهما يكن من أمر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *