إن معرفة المصلح كمفهوم, يمكن للإنسان إن ينطلق منه في تحديد مصادقه الواقعي أمام هذا الكم الهائل من الدعوات والشبهات, يكمن في العودة إلى كتاب الله المجيد كونه الحكم الفصل والبيان الواضح.. ومختصر ذلك: إن البشرية حين ولدت لم يكن فيما بينها ذلك الصراع حول الميزات الحيوية المادية ومع ازدياد النسل البشري وكأمر طبيعي مع الحركة والهجرة اقتضى ذلك التنافس والصراع على الثروات للحصول على الإمكانيات المادية فظهرت معها قوانين السيطرة والعبودية وتباين الفرص في الحياة, قال تعالى {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس : 19].
وهنا, بدأت رسالات السماء تُبعث إلى الإنسان لتعيد التقارب والتوازن الاجتماعي لبني البشر, قال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ…} [الحديد : 25]
فالمصلح هو ذلك الإنسان الذي يعمل على التقارب وإعادة التوازن الاجتماعي, ذلك بالتذكير أولا أن المالك المعبود هو الله وحده وثانيا بكسر الحواجز النفسية بين أبناء المجتمع والتي صنعتها الطبقية والتقاليد السلبية وحب الأنا والتي دائما ما تؤول إلى الاستعباد.
فليس الإصلاح بحد ذاته هو بناء مستشفى أو مدرسة أو مصنع فقط, وإلا لكانت الرأسمالية مثلا مُصلحة أكثر, ولكان الميزان المادي هو المقياس في الإصلاح وعلى هذا لا قيمة لمقدار بئر يحفره أمير المؤمنين (عليه السلام) أمام أي مشروع أروائي في يومنا هذا يستخدمه مستثمر في سقاية آلاف الدوانم من الأراضي الزراعية ..
ومن هنا نفهم أن الإصلاح هو مهمة إعادة التوازن والتقارب والقسط بين الناس ذلك لهدم الهوة بين أفراد البشر والتي تنشأ إما فكرياً أو مادياً, ويمكن أن يوصف بشقين.
الشق الأول: التربية الروحية والمعنوية الصحيحة .وهي مهمة رجل الدين بالدرجة الأولى, لرفع الشحناء والتباغض والتحاسد بين الناس بالتذكير بمجموعة القيم التي جاء بها كتاب الله العزيز في نبوة الخاتم الأمين (صلى الله عليه واله) قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات : 13] فأنت عندما تريد أن يبتعد الإنسان عن الشيطنة والحسد فالغاية أن لا يتعدى على حد غيره فُيُسقطه ليرتفع هو فتزيد الهوة.
الشق الثاني وهي مهمة رجل الدولة: هي تسخير كل الإمكانات المادية المتاحة لردم الفارق الطبقي بين الناس, فأنت عندما تريد أن تعطي أو تمنح صدقة لأحد فالغاية من ذلك العطاء هو أن ترفع من مستوى المُعدم ليقترب من مستوى المُترف في الحصول على بعض الميزات الحيوية في الحياة, وعلى هذا ففي المنهج الإصلاحي الرباني ينبغي أن تكون كل المشاريع التي تُنجز تصب في هذا الغرض { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ…} [الحديد : 25] وليس لإنشاء رؤوس الأموال أو للسيطرة على الإمكانات المادية لتسخير الناس استعباداً,