قصةٌ ذاتَ مَغزى كبير، تحمل في طياتها الكثير، مما يستحق الإعادة والتذكير، ويدعو الى التأمل والتفكير، بأسباب التخلف في المَسير، وفشل تحديد الإتجاهِ والتقدير، وعدم القدرة على التدبير، الذي لا يشفع له التبرير، حين يتعلق الأمر بالمَصير.
والقصة ليست من الأساطير، ولا مِن وحي الخيال المُثير، بل حقيقة ما لها نظير، تروي واقع الحال المرير، العابر لأبعد حدود التنظير، وطرق شرح الغموض والتفسير، بعدما هبت رياح التغيير، واندفعت نحو المنعطف الخطير، وفتحت أبواب الزمن العسير، بُعيد جريمة الاحتلال الحقير، بقيادة رعاة البقر والحمير، وخدمهم من القادة الطراطير، كهذا الملك وذاك الأمير، وباقي فاقدي الغيرة والضمير.

إنها قصة مُعاناة الأنسان، في العراق وسوريا ولبنان، وفي ليبيا واليمن والسودان، تارة بسبب الحصار الجبان، الذي عَلِقت جريمتهُ بالأذهان، وهزَّ الضميرَ الإنساني والوجدان، واقشعرَّت من همجيته الأبدان، وتارة أخرى بسبب العدوان، الذي يشنهُ الصهاينة والأمريكان، لضمان أمن وسلامة الكيان، بتدمير البنى التحتية للأوطان، وجرائم قتل وتهجير السكان، وتنصيب حكومات العبيد والغلمان، ومَن باع الضمير وخان .

وتتناول القصة أحوال السياسيين، وانقسامهم الى اليسار واليمين، وانشغالهم منذ عشرات السنين، بصراعات يأنفها حتى المجانين، بسبب القادة غير المؤهلين، وعدم كبح جماح المتطرفين، وغض الطرف عن الإنتهازيين، والسكوت عن الغزاة المجرمين، الذين نجحوا بدق الأسفين، وتعميق الخلافات بين الوطنيين، وغلق الباب أمام الخيّرين، الداعين الى وحدة الوطنيين .
وبما ان السياسة “فن الممكنات”، لذا فقد اختلفت التوجهات، وتباينت وسائل تبرير الغايات، بناءا على أهداف الجهات، التي ترسمُ وترصُد التحركات، لمن إختاروا ذات الإتجهات. وكمثال على ما مَرَّ وفات، التزم البعض بتنفيذ التعليمات، التي وضعها السوفيت والمُخابرات، دون أي اعتبار للخصوصيات، مما تسبب لاحقا بالاخفاقات، نتيجة القبول بتقديم التنازلات، على حساب المبدأ والتضحيات، بينما ارتبط الآخرون بالولايات، وانخرطوا في صفوف الإمعات، وقدموا فروض الطاعة والولاءات، من أجل حفنة من الدولارات .
ما الذي جنيناه من السياسيين منذ ما يزيد عن السبعين ؟.

14 شباط 1949
استشهاد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان فهد ورفاقه الخالدين، بعد محاكمة هزيلة، دبرتها جهات دخيلة، ونفذتها قوى عميلة، داخل محكمة ذليلة، سعت بكل وسيلة، للنيل من قيادة أصيلة، بعد ان قبض 3 قضاة من خونة العدالة والقانون مبلغ 800 دينار لكل منهم، من وزير العدل آنذاك، جمال بابان، لإقرار حكم الاعدام وتنفيذه بحضور السفير البريطاني، الذي قال يومها ” لن تقوم قائمة للشيوعيين في العراق لعَشر سنوات قادمة”. وكان نوري السعيد المعروف بعدائه للشيوعيين وارتباطه بالمخابرات البريطانية، سباقا وتواقا لتنفيذ الحكم، بعد تعيينه رئيسا للوزراء في 6.01.1949.

1956-1957
تشكيل جبهة الاتحاد الوطني من الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال، وحزب البعث، وانهيارها دون تحقيق أهدافها في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، بسبب التناحر بين القوى المتحالفة والتدخلات الأجنبية والعربية وشركات النفط البريطانية والأمريكية.

ثورة 14 تموز 1958
رغم التأييد الذي حضيت به الثورة من جميع الأطراف الوطنية العراقية ( البعث والقوميين والأكراد) الا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السَفنُ. فقد أعدت خطط قلب النظام مُسبقا، وكان أولها مؤامرة العقيد عبد الله الشواف في 8 آذار 1959، ثم تلتها أحداث الموصل بعد أربعة أيام من فشل المؤامرة، وأحداث كركوك (14-17 تموز 1959)، التي سقط فيها العشرات من أبناء المدينتين، وأدى الى تعميق فجوة الخلافات وتوجيه الإتهامات المتبادلة، حيث وجهت قيادات البعث والقوميين والاقطاعيين اتهاماتها للحزب الشيوعي وعناصر من المقاومة الشعبية والشيوعيين الاكراد بمسؤوليتها عما حصل دون تقديم الدليل على صدور أيه أوامر، أو تعليمات من قيادة الحزب الشيوعي باللجوء الى القوة. ومما زاد الطين بله، محاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم في 7 تشرين الأول عام 1959 في شارع الرشيد عند مدخل عقد النصارى.

إنقلاب 8 شباط 1963
ساعدت أجواء الخلافات، التي أشتدت في فترة جبهة الاتحاد الوطني، واحتدت بعد ثورة 14 تموز،على نضج ثمار التحالف البعثي–القومي- الاقطاعي، والبدء بارتكاب جرائم التصفيات بحق قادة الثورة والشيوعيين فور الانقلاب الدموي، فاستشهد الزعيم عبد الكريم ورفاقه الأبرار في دار الإذاعة، واستشهد سكرتير الحزب الشيوعي سلام عادل تحت التعذيب الفاشي، وتعرض الآلاف من أعضاء وأصدقاء الحزب الى الإغتيالات والإعتقالات والتعذيب في أقبية الحرس اللاقومي، بتدبير وتبرير من المخابرات الأمريكية – البريطانية وبعض الأنظمة العربية، التي لعبت دورا ملموسا في التحريض والتآمرعلى النظام الوطني، وهنأت بنجاح الإنقلاب .

وتستمر قصة الإنقلابات..
إنقلاب 18 تشرين 1963
شعر القوميون بفقدهم زمام المبادرة وانتقاله الى يد حلفاء الأمس من البعثيين، فقاموا بانقلاب ضدهم في 18 تشرين الثاني، بقيادة المُتقلِّب عبد السلام عارف، بدأت على إثره حملات الإعتقال ضد البعثيين وانتهت باستسلام سريع لميليشيات الحرس اللاقومي، وطرد ميشيل عفلق وأمين الحافظ من العراق مع استمرار السياسات القمعية ضد الشيوعيين ومؤيديهم.
وفي 13 نيسان 1966 قتل عبد السلام عارف في حادث سقوط طائرة مروحية، فتولى رئاسة البلاد من بعده شقيقه عبد الرحمن عارف حتى الانقلاب الثاني لحزب البعث في 17 تموز 1968.

انقلاب 17 تموز 1968
أجل البعثيون الإفصاح عن هويتهم في بداية الانقلاب خوفا من ردة فعل الجيش والجماهير، التي عانت الأمرّين من حكمهم المشؤوم بعد انقلابهم الأول، فأعلنواعن استعدادهم لحل القضية الكردية سلميا، وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الحزب الشيوعي، فكان 11 آذار، وكان ميثاق “الجبهة الوطنية”، لكن ما خفي كان أعظم.
ولعل التذكير بأهم أحداث الفترة من 17 تموز 1968 وحتى سقوط النظام في 9 نيسان 2003، ما ينعش ذاكرة أولئك الذين يتعامون عنها ويتجتبون الاقتراب منها :
البدء بحملة اعتقالات انتقامية ضد القوميين الناصريين بعد الانقلاب مباشرة.
إعتقالات واسعة وتصفيات في صفوف الشيوعيين المنتمين لتنظيم القيادة المركزية.
الإعلان عن اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد في 11 آذار 1970 وفشلها باندلاع الحرب مجددا في 1974.
الإعلان عن “الجبهة الوطنية التقدمية ” في 16 تموز 1973، وفشلها في 1978، لعدم توقف النظام عن اغتيالات الكوادر الشيوعية النشطة، رغم اشتراك وزيرين شيوعيين في الحكومة آنذاك (عامر عبدالله ومكرم الطالباني). وكان قرار إعدام عدد من الشباب بتهمة النشاط الحزبي في صفوف الجيش سببا في انهيار الجبهة، وبدء الهجرة الجماعية للشيوعييين وانصارهم الى خارج العراق .
أحباط مؤامرة لقلب النظام بقيادة مدير الأمن العام، ناظم كزار في 22 حزيران 1973، تلاها حملة تصفيات للكوادر البعثية المتقدمة.
تصفية المئات من البعثيين بعد اجتماع دعا اليه صدام حسين بقاعة الخلد في 22 تموز 1979.
حرب الخليج الإولى أيلول ( 1980-1988) التي دفع فيها البَلَدان خسائر بشرية ومادية جسيمة.
حرب الخليج الثانية 1990.
مئات الألوف من الشهداء والمقعدين بسبب الحروب العبثية .
13 عام من الحصار الهمجي على الشعب العراقي .
ملايين اليتامى والأرامل والمهجرين .
الإحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003، وتنفيذ الإعدام بأزلام النظام ورئيسهم صدام.
إن الدمار والخراب، وسرقة ثروات البلد، وتأجيج نيران الصراعات الداخلية، والتفرقة الطائفية، وانعدام الخدمات، وتسليم مقاليد السلطة الى من ليسوا أهلا بها، يمثل الصورة القبيحة للإحتلال الفاشي والزمر المتعاونة معه والمبررة له منذ 2003 والى وقتنا الحاضر.
والقصة لها بداية غير معروفة النهاية .

قبل aktub@info

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *