في اليوم الثاني من ايام عيد الفطر المبارك ، كنتُ في محراب عشيرة معروفة ، حضر جمع كبير من اعيانها ، لتبادل التهاني ، وبدء حوار ديمقراطي ، بعيد عن الاعلام وكاميرات التلفزة ، رغم انه حوار مجتمعي مهم ، تمنيت ان يعرف مضامينه الجميع .. كنتُ مستمعا ، ولم اشارك ، فما كان يدور ابهرني ، واسعدني ، حيث اتفق الجميع ، شيخ العشيرة ورؤساء افخاذها على بنود تنبذ الطائفية بكل مسمياتها ، وتمنع استعمال السلاح واطلاق العيارات النارية في الافراح والاتراح ، حفاظا على الارواح ، والتمسك بقوانين الدولة حصراً ، وجعلها معيارا في احقاق الحقوق ، الى جانب التمسك بنواميس الاعراف العشائرية المنسجمة انسانياً ، والداعية الى التسامح والنبل والتعاون بين افراد العشيرة ، والابتعاد عن الخلافات الجانبية التي تهدد السلم العشائري ..
الذي اثار فيّ الشوق لمتابعة النقاشات هي اتفاق العشيرة من خلال رؤساء الافخاذ الحاضرين على التمسك بالاخوة بين العشيرة ، والعشائر الاخرى كون الجميع ، ضمن مسيرة تاريخية واحدة من الجهد والتضحية ، وعلى الكل استثمار المواقف الايجابية , طالما هي تصب في تعميق دور المواطنة، والابتعاد عن كل موقف سلبي ينتج من هذا الطرف او ذاك ، ولاسيما من يعمل على عرقلة مسيرة الحق والعدالة .
كم سعدتُ ، بهذا النهج العشائري والحضاري الذي وجدته في نقاشات ، مضيف عشيرة ( اولاد بركة ) في مركزها بقضاء النعمانية ، وهي بطن من بطون بني زيد (الرواشد) ورجالاتها الكثر يسكنون قضاء النعمانية والكوت وبغداد والحلة والهاشمية والديوانية والنجف الكوفة .. نعم ، سعدتً وسعد من رافقني ، ونحن نستمع الى تلك الآراء التي تنم عن وع وتفهم لدور العشيرة في استتباب الامن المجتمعي ، وشخصيا لم استغرب للطروحات الايجابية التي حدثني بها شيخ عام عشيرة ” اولاد بركة ” حاتم بن عبيد ، وهو سليل احد ركائز ثورة العشرين الرجل الكبير ” انعيس بن راشد” طيب الله ثراه .. فمواقفهم وأصالتهم معروفة لدى جميع عشائر العراق ..
ان تحويل ايام العيد ، من تبادل التهاني ، واحاديث المجاملات ، الى فعل مجتمعي عام ، يناقش تمتين اواصر الاخوة ، وشد أزر النسيج العشائري بالتعاون مع الدولة واجهزتها الساندة ، ظاهرة تستحق الاشادة ، وتسليط الضوء عليها ، متمنين الاخذ بها كنموذج ، من قبل العشائر الكريمة الأخرى .. وها نحن قد فعلنا .. منطلقين من قناعة مؤمنين بها وهي ان للبحر مد وجزر وللقمر نقص وكمال ، وللزمن صيف وشتاء، أما التوجيه بالحق فلا يحول ولا يزول ولا يتغير.. والله من وراء القصد.