لم أستسلم عنكِ, لا زلت أطرق بابكِ كلّ يوم, لا زلت ألتقط خطواتكِ من الشوارع, لا زلت أتنفس زهوركِ التي تنمو بعد كلّ خطوة, لا زلت أتصيّد فراشاتكِ من خصل شعركِ المتساقطة على الطريق, لا زلت أبحث عنكِ حتي في تراب المقابر, لا زلت أبحث عنكِ في دعاء المصلين, لا زلت أحاول أن أعثر على حلمي الذي ضاع قبل أن ألتقيكِ.
كنت أحلم أن أصل إليكِ و أنا محمل بكلّ ما تشتهيه روحكِ, بكلّ ما في الكون من إبتسامات حمقاء عفويّة, لم أكن أعلم بأن الحرب قاسية جداً, لم أكن أعلم بأنّها تقتل الأحلام الغبية, كنت أظنّها فترة و ستقضي نصيبها, كانت طويلة, حرب طويلة وسط هذا المجتمع البدائي المسلّح.
تلقيت العديد من الرصاصات, معظمها لا زال ينبض مع قلبي, لكن تلك التي قتلتني, تلك التي شوّهت معالمي و دفنتني قبل أن أغسلكِ منّي, رصاصة فقدانكِ, تلك التي أطلقتها عليّ عندما عدتُ من حربٍ لا يخرج منها سوى الأغبياء أحياءً!.
كنتِ في حضن آخر, تعيشين حلماً آخر, مع تاجر لا جندي, مع غني لا فقير مصاب بالتوحد و الشيزوفرينا, مع جميل لا مشوه المعالم مثلي, كنتِ تضحكين بعفويّة, و كنتُ أنزف من كلّ جروحي, من كلّ ندوبي, أخبرتكِ بأنّ الغبي وحده من يخرج من الحرب حيّاً, و ها أنا أول غبي.
كان ساقيّ البار ذكيّاً, ذكيّاً جداً, إستغل نزيفي الحاد ليبيع أكبر قدر ممكن من زجاجات الويسكي, وها أنا أكتب لكِ مع آخر زجاجة قبل أن يغلق أبوابه في وجهي, مع آخر زجاجة ظننتها ستُخرجكِ من عقلي.
كانت لحظة سقوطي من الكرسي طويلة, طويلة جداً, كأنّها عمر كامل, قبل أن أُقبّل الأرض التي ستدفنني, كنتُ أراكِ برداءكِ المزركش و نبرة صوتكِ التي إختلست منّي قلبيّ, ذلك الرداء الذي إرتديتِه في آخرة مرّة ودعتِني فيها, في آخر مرّة وعدتِني فيها, في آخر يوم رأيتكِ فيه, لم أكن أعلم بأن الوعود تُقتل برصاصة, لم أكن أعلم بأن الحرب أنتِ, لم أكن أعلم بأنّ القمامة ستكون كفني, و ها أنا الآن مكفنُ بكيس القمامة و مرميٌّ في آخر الرصيف, قرب الكلاب التي تعطف على جثتي أفضل من المارّة, أفضل من ساقيّ البار, أفضل منكِ.
ملاحظة, زجاجة الويسكي إنتهت بالسقوط على ملابسي مغشيّة و لا زلتُ لم أنسَ شيئاً من ملامحكِ.
ملاحظة أُخرى, كُتِبَ على شاهد قبريّ, في مقبرة الغرباء, توفيّ أثر رصاصة و زجاجة ويسكي.
ملاحظة أخيرة, لا تسحبي الزناد و تُطلقي الرصاصة.

قبل aktub falah

يعتقد واحد على "رصاصة و زجاجة ويسكي “الكاتب محمد الكلابي” "

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *