دلوني على شيء أنتقد به إيــران [مقال نشرته قبل سنوات لكن إلى الآن لم أجد من يدلني على ما أطلب.. ولهذا أعيد نشره لأني لا أزال أبحث] .

طلب مني بعض الفضلاء المحترمين الحريصين على مصلحتي أن أكتب مقالا ولو قصيرا في نقد الجمهورية الإسـلامية الإيــرانية ، ونعتها بالأوصاف التي تعودنا على سماعها من الكثير من الإسـلاميين ، كوصفها بالصفوية والمجوسية والامبراطورية الفارسية والعمالة لإسرا ئيل وأمــريكا وغيرها من الأوصاف … ووعدني أني إن فعلت ذلك ، فستلغى كل التهم التي أتهم بها ، والتي تقف بيني وبين الكثير من مصالحي ، وأخبرني ـ وهو في غمرة حماسته ـ أني إن فعلت ذلك ، فإن قلمي سيوضع في المزاد العلني، وقد يشتريه بعض الأمراء ، وقد أصير حينها صاحب قصر كقصر القرني ، أو صاحب ثروة كثروة القرضاوي وحسان وغيرهما .

كان العرض مغريا جدا ، تتلهف له النفوس الظائمة ، والغرائز التي تبتهل كل فرصة ، وتقتنص كل سانحة … لكني بعد البحث الطويل لم أجد كلمة واحدة يمكنني أن أشتم بها تلك القطعة الكريمة من بلاد الإسـلام ، والتي كانت في كل تاريخها رمزا للحضارة والرقي والتواصل الإنساني .
لهذا كتبت هذه الرسالة المفتوحة لكم معشر القراء الكرام عساكم تشاركونني في البحث عن أشياء ذات بال يمكننا أن ننتقد بها هذه الجمهورية ، وتنالوا لذلك مني الثناء الجميل مع بعض العطاء الذي قد يصلني عندما يوضع قلمي في المزاد العلني .
وأرجو فقط ألا تذكروا لي ذلك الوصف الذي مججناه، وهو وصفها بـ[ المجوسية ] ، والذي لا يقبله إلا العقول المغرر بها ، فأنتم تعلمون أن فارس منذ دخلت الإسـلام لم تخرج منه ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بذلك ، بل أخبر أن ( الإيمان لو كان عند الثريا لتناوله رجال من فارس ) … ولو أننا قلنا بذلك، فستصبح أكثر ثروتنا في التفسير والحديث والفقه واللغة وغيرها مصادر مجوسية مشكوك فيها ، لأن أكثر العلماء كانوا فرسا ، أو لهم علاقة بالفرس .
وأرجو ألا تذكروا لي كذلك وصفها بالامبراطورية الفارسية ، فأنتم تعلمون أن الكثير من الدول التي حكمت إيــران كانت دولا عربية ابتداء من بني أمية وبني العباس ، وقد حكمهم في فترات كثيرة إلى العصر الحالي رجال من ذوي أصول عربية ، ولم يستكبروا عليهم ، ولم يطالبوا برحيلهم ، ولم يطالبوا بعودة كسرى ، ولا أبناء كسرى .
وأرجو ألا تذكروا لي كذلك وصفها بـ[الصفوية] ، فالدولة الصفوية كانت مملكة ، وإيــران الحالية جمهورية ، والصفوية كانت تخضع لحكم الفرد ، وإيــران الحالية تخضع لحكم المؤسسات ، والصفوية كانت مرحلة تاريخية ، وإيــران الحالية واقع نراه ونسمع عنه … ولو أننا طبقنا هذا الوصف ، لوصفنا تركيا بالعثمانية ، ووصفنا مصر بالفاطمية والمماليك ، ووصفنا الشام بالأيوبيين والأمويين … وهكذا لن نترك بلادا إلا ونجد في تاريخها ما يقبل ، وما يرفض .
فلذلك دعونا من هذا الوصف وما يتتبعه من كون الصفويين فرضوا المذهب الشيعي على الإيــرانيين ، فأنتم تعلمون أيضا أن الأيوبيين فرضوا المذهب الشافعي ، والسلاجقة فرضوا المذهب الأشعري ، والمأمون فرض المذهب المعتزلي ، والمتوكل فرض المذهب الحنبلي ، وابن عبد الوهاب ومن معه من آل سعود فرضوا المذهب السلفي … فلذلك لا ترموهم بمثل هذه الحجارة ، فكل البيوت مبنية من زجاج .
وأرجو ألا تذكرو لي أيضا ما يسمونه بتصدير الثــورة ، فأنتم تعلمون أن العالم مفتوح ، وأن كل ثــورة ناجحة تصدر ، رضي أصحاب الثــورة أو لم يرضوا … فثــورة تشي جيفارا صدرت ولا تزال تصدر … وثــورة تونس وحرق البوعزيزي نفسه صدر … وصار الكل يحرقون أنفسهم … ولذلك لا داعي لهذا الوصف ، واتهام إيــران به … فهي لم تفعل سوى أن خرجت من عباءة الشاه الذي كان عبدا لأمــريكا ، وكان لذلك تأثيره الكبير في الشعوب التي لا تزال تخضع لعبودية الشاهنشاهات .
ولا تذكروا لي كذلك التمدد الشيعي … فأنتم تعلمون أن الكل يتمدد … فهناك قنوات تنشر المسيحية ، وأخرى تنسر الماركسية ، وأخرى تنشر الوجودية … حتى عبدة الشياطين لهم وسائلهم التي ينشرون بها أفكارهم … وحتى أنتم أيضا تنشرون كل ما تفكرون فيه ، ولا تدعونه حبيس عقولكم ؛ فلا تلوموهم على شيء أنتم تفعلون مثله .
ولا تذكروا لي عدم وجود مساجد للسنة في طهران … تلك الأيقونة التي تردد كثيرا ، فأنتم تعلمون أن المساجد لله ، وأنه لا يصح أن توضع مساجد خاصة بكل مذهب ، وتعلمون أيضا أن المساجد الإسـلامية في كل البلاد لا تفرق بين مرتاديها ، وإلا عدنا لزمن التعصب الذي كانت تقام فيه أربعة محاريب ، لكل مذهب محرابه الخاص به .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *