كتبَ| زيد الحلّي
يومان قضيتهما في الحلة الاسبوع المنصرم ، متفقدا الأهل والاقارب والاصدقاء ، زرتُ خلالهما دواوين الاحبة ، والتقيتُ وجهاء وشيوخا ، وقابلت عديدا من المثقفين من أدباء وفنانين ومواطنين ، وقد سعدتُ جدا بطيب الملقى وحسن الاستقبال ، الذي بقى متجذرا في وجداني من الزيارة كان كثرة الاسئلة عن ابن الحلة ، ومحبها شاعرنا المجيد حميد سعيد ، اسئلة شوق وحنين للبابلي الكبير ابا بادية .. كان اسمه القاسم المشترك لكل من التقيته ، سألوا عنه كثيرا ، اجبتهم بإيجابية ، لكني في داخلي كنتُ اشعر بألم شاسع المدى ، لمعرفتي الشخصية بالوجع والأسى والحزن الذي يكتنف حميد سعيد ، لبعده عن المدينة التي احبها حد العشق ، فالحلة عنده دنيا كاملة ، يعشقها ومتيم بها ، فيها رضع لبن الرقي الانساني ، فهي المدينة التي يسود فيها العلم والحرية والإخاء والوفاء ، وقد توسع حبه ليشمل العراق والوطن العربي والانسانية ، فكيف الحال وهو يبعد أميالاً تلو أميال عنها ؟
الحلة، التي ولد في اعرق مناطقها وهي ” الوردية ” مثلما ولدت انا فيها ايضا ، شكلت ثيمة استلهما ابو بادية في شعره وكتاباته ، وهي تستحق ذلك ، كونها مهدّ الحضارة ورمز تقدّم الأمة واستقرارها، والبيئة التي نمت فيها الثقافات وازدهرت في حدائقها العلوم والفنون، إنها صورة الأمة، نقرأ فيها أخلاق أهلها ومُثلها وقيمها..
حجم الوفاء الذي لمسته للإنسان الشاعر حميد سعيد ، من قبل مواطني مدينته ، يشابه كثيراً محبة المحيط الثقافي العراقي والعربي له ، فمواقفه الانسانية بكل المواقع التي شغلها لا تعد ولا تحصى ، فهو نبع صاف في عطائه ونبله ، وانسان ملتزم بقضايا شعبه وأمته ، وجرأته في تبني المواقف الانسانية ، معروفة للجميع .
ان الوفاء المتبادل بين الحلة وابنها الشاعر حميد سعيد ، صورة تمثل شيم النفوس الشريفة، والأخلاق الكريمة، والخلال الحميدة ، يعظم صاحبه في العيون، وإن كان لكل شيء رأس ، فرأس الأخلاق هو الوفاء ، وآخر صدى لوفاء المحيط الثقافي الحلّي ، تمثل بالإصدار الذي قام به الصديق الاديب شكر حاجم الصالحي ، وهو كتاب بعنوان “حنين بابلي”? ضم مختارات من قصائد حميد سعيد ، وفيه قال الصالحي أنه تعرف على الشاعر من خلال قصائده وكتاباته النثرية، التي اكتسب منها الكثير من السجايا والخصال الحميدة وتعلم من فضائله حب الناس والتسامح والوضوح ونبذ الكراهية، فهو إنسان مبدئي سخي كريم معطاء.
وشخصياً ، اقول ان الكبير حميد سعيد ، شخصية من طراز خاص يمّقت الضعف ويكره الدموع .. وهو متفائل برغم قسوة الظروف ، وحالة الاغتراب التي يعيشها … تفكيره يسبق ألمه ، وخطاه أوسع بكثير من خطى السائرين على رمال الحياة , أحلامه بلا حدود ، وهو دائم المحاولة للتغلب على تشاؤم العقل بمساعدة الإرادة ، فلم يركض وراء سراب يلمع في صحراء المخّيلة ، كما لم يركض إلى أوهام أحلام اليقظة ..وصدق من ذكر مرة ان حميد سعيد يكلم الشمس بالشعر من اجل أن تصنع للعراق قصائد مشرقة في ديوان الكون. وهو لم يجعل من غربته دراما سوداء، فهو يقول ” لست غاضبا على وطني، ولا أظن إن وطني غاضب علي “لكن وجع الوطن المفقود والمشتهى بالعودة يستنقطه شعرا بالمدن والأحياء والنخيل :
أهذه مدينة السلام .. أم مملكة الذئاب
ليس سوى الرماد والجرادِ .. بين الصُلب والترائب
ليس سوى الغرائب .
اخيرا اقول : هنيئا لمدينة الحلة وفاء ابنها الاصيل حميد سعيد ، وهنيئا للابن البار وفاء مدينته التي ولد فيها ، وهنيئا للعراق شاعرية ابن بابل