بين حين وحين تثور الطبيعة لتترك آثارها المدمرة على كثير من بلدان العالم ، بما في ذلك من زلازل وبراكين وفيضانات وعواصف .. علاوة على أوبئة ومجاعات تفتك بأعداد هائلة من البشر .
وهي شدة قاسية على النفوس ، غير أنه بعد حين تبتسم الحياة ، وقد يأتي رخاء لم يكن يتوقعه أحد ليخفف تلك المعاناة الثقيلة التي جثمت على الصدور .
أما وطننا فالأمر فيه يختلف .. اذ أن أزماته وشدائده كانت تأتيه من لدن حكامه الذين أوغلوا فيه جروحا طيلة عقود ، ومع ذلك فقد ظل الأمل يراودنا أن يسترد هذا الوطن عافيته وأن تنتهي شدته ومعاناته حتى ينعم بالرخاء الذي يستحقه .
ورغم أن الوطن ما يزال يئن من جراحاته فان نسمات الحرية ستعود اليه وأن الشمس ما تلبث أن تشرق عليه .
كما أننا في حياتنا كأفراد ليست لنا حيلة لكي نهرب من المنغصات التي تقلق مضاجعنا بين وقت وآخر بما فيها من فقر ومرض وهموم وأحزان ، على أننا ما نلبث أن نجد أنفسنا فيما بعد أصحاء ذهب عنا السقم وأغنياء تلاشت عنا مذلة الفقر .. سعداء فرحين .
انه الرخاء آت لا محالة بعد تلك الشدة الموجعة التي تقصم الظهور ، ذلك أنه بعد كل عسر يسر وبعد كل فشل نجاح وبعد كل خيبة أمل بصيص نور .
انها الحياة في كل تناقضاتها ،نتذوق فيها المر حينا ونتذوق فيها الحلو حينا .
انه لا أحد يعلم ما الذي يخبئه له الغد .. قد يكون خيرا أو قد يكون شرا ، لا أحد يدري ولا أحد يعرف كيف تمضي به سفينة الحياة .
قد يصيب البعض منا اليأس من دوامة الانتظار الطويل لمرض ألم به أو فقر أحاط به لينفذ صبره ويتبرم ، فاذا بالحال تنقلب على غير توقع لتنتهي كل تلك الأزمات التي لازمته زمنا .
وقد صدق الشاعر حينما قال :
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وما كنت أظنها تفرج
أرأيت كيف يفرج عن الشدة بعد كل ذلك الضيق !
فما أجدرنا أن نتحلى بالأمل ليكون مصباحا أمام أبصارنا نهتدي به في مسيرتنا الطويلة في الحياة وألا يتسلل اليأس الى نفوسنا في ساعات ضعف وعجز ، وأن نستلهم من صفحات التاريخ الدروس والعبر .. فكم من الرجال العظام احتوتهم الشدائد زمنا طويلا ثم تحقق لهم فيما بعد كل الطموحات التي كانت تساورهم .
وسواء كنا أفرادا أو شعوبا فان الاستسلام للخوف والجزع لا يجدي نفعا ، أما اذا عادت الينا السكينة فسنعرف أن الرخاء ليس مجرد ثروة نمتلكها ولا ترف نلهو به وانما هو طمأنينة تظلل حياتنا فيما تبقى لنا من العمر .
وان هذا الرخاء هو راحة بعد تلك السنوات القاسية التي عصفت بنا أحداثها .