انقضتْ اسابيعٌ طويلة وانا احاول ان اكتب كلمة واحدة عن هذا الزمن المرعب وهذه الحيثيات التي يمر بها او فيها الشعب العراقي – المسكين – واقصد هنا بعبارة المسكين – تلك الطبقة المسحوقه من الشعب التي تركض وتهرول ليلا ونهارا من اجل لقمة العيش او من اجل هدف بسيط يُعتبر بالنسبة للبعض مجرد طرفه او نكته – لم استطع ان ادون كلمة واحدة على الرغم من هذا الكم الهائل من الاحداث العالمية والمحلية وهذه الاخبار المرعبة التي تحيط بنا بلا توقف . في البداية اعتقدتُ انني فارقتُ رغبة الكتابة الى الابد ولم اعد اتمكن من خلق اي فكرة تدور في ذهني المرهق مهما كانت جميلة او حزينة او تحتوي جانبا انسانيا ملحوظا .. ولكن وبدون تخطيط مسبق تدفقت الى ذهني عشرات الافكار المُلّحة وراحت تطرق رأسي بمطارقها التي لاترحم وتدفعني لتدوين تلك الافكار قبل ان تتلاشى الى الابد في فضاء التعب وسنوات العمر التي تنهش بجسدي بجدارة . عادت شريكة حياتي تحمل بيدها قطعة كبيرة من قماش نسائي – كانت ام سلامة قد سلمتها لها عند بوابة الدار. شاهدتُ بريق غريب يظهر في عينيها – مزيج من الزهو والفرح الدفين وكأنها تريد ان تتحداني او تبرهن لي انها لازالت قادرة على الانتاج العام وخدمة المجتمع بطريقة ما . فرح مبهم سيطر على روحي مصحوبا بألم انساني يكاد يسحقني بكل قسوة . فرحتُ لها لانها ستقضي ساعات طويلة تصنع تلك القطعة وتحولها الى شيء مفيد لشخص انثوي يسكن قريبا من بيتنا وحزنت لها لانها لم تحصل على حقها كأنسان يعيش في هذا البلد الواسع المليء بالثروات والاشياء التي من الممكن ان تجعله بلد ينتمي الى الدول الاكثر ثراء في هذا الكوكب ولكن هناك الف لكن تجعل من المستحيل لهذا البلد ان ينهض مهما تقادمت وتقدمت سنوات العمر . حينما سلمتها ام سلامة العشرة الاف دينار لقاء تعبها الطويل والذي استمركل ساعات الليل والنهار وهي تنحني على ماكنتها تحاول بكل دقة ان تجعل تلك القطعة من القماش كانها تحفة فنية شاهدت ُ بريقا ساطعا يتفجر في عينيها وكأنها تريد ان تقول لي ” انظر الم اقل لك ان الحركة تجلب النقود ” …هي لاتعرف انني كنتُ اتمنى لو انها لم تستسلم تلك القطعة على ان امنحها من راتبي التقاعدي ثلاثة اضعاف ما كانت قد حصلت عليه لكنني اعرف انها تشعر في تلك اللحظة بسعادة لاتوصف. لا اعرف لماذا جاءت الى ذهني صورة مشعان الجبوري وهو يصرح من خلال برنامج سياسي بانه حصل على مليون دولار من شخص كان قد سرق اموال كثيرة وقدم ذلك المليون الى مشعان لكي – يُسّكر له اوراقه ولايظهرها الى النزاهة – واو مليون دولار يدخل جيب مشعن دون ان يسهر دقيقة واحدة في الليل – كما كانت شريكة حياتي تسهر كل تلك الساعات الطويلة مقابل مبلغ لايكاد يُذكر. اعرف ان العشرة الاف دينار التي حصلت عليها شريكة حياتي تعادل كل اموال السراق في الداخل والخارج ومع هذا لايمكن ان نقول الا شيئ واحد وهو ان المال الحرام شيء مقرف ولايمكن ان يكون له اي قيمة يوما ما. هناك عندما نقف امام الخالق الجبار سيتضح كل شيء وتبارك الرحمن حينما ذكر ” يوم لاينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلبٍ سليم ” اللهم بارك في المال الحلال وابعدنا عن كل شيء حرام . سلاما لفقراء العراق في كل مكان .