ضمن قراءة الدكتور على الوردي لمقدمة ابن خلدون جاء فيها > إن السلوك المتوحش للجماعات أو الافراد هم هؤلاء الأكثر بعدا عن العلم والفن والصناعة ، وهم نتاج السلوك الاجتماعي < ولم يعد إقدام الطالب بالاعتداء على معلمه هو نتيجة شجاعة؟ ، وإنما تعبير حقيقي عن الانفلات الأخلاقي والتربوي ، وهو بالضرورة بسبب التدافع العشائري ، الذي اصبح تعبيرا واضحاً عن استغلال ضعف الأجهزة والتي هي نتاج لضعف السلطة ، فكثيراً ما يتراجع رجل الأمن في محاسبة المعتدين والمنفلتين خشية من أن يقع في دائرة الحساب العشائري الذي يتركز بقضيتين أولهما الابتزاز المالي والذي يصل الى الملايين وثانيهما القتل إذا ما ستجاب لحكم العشيرة ، ولهذا نلاحظ كثيرا من الاحداث تقع أمام الشرطة أو على مقربة منها ، في حين في كل الدول المحترمة فأن رجل الشرطة هو القانون المتنقل في المدينة والاحياء والشوارع ولا رد من أحد لقراراته كونها صادرة ضمن القانون ومن أجل النظام وحفظ القانون.
كان امراً مقززاً جدا حينما نشاهد الطالب يغير على المعلم ويضربه ، ولا اعتقد إن اللجنة المشكلة من التربية أو غيرها من الدوائر كفيلة بإعادة الحصانة للمعلم المنتهكة حقوقه أ الدكتور الذي يقع تحت دائرة العشيرة لكون مريضا منهي الصلاحية قد توفي ، وعلى وفق ذلك تعلن عشيرة هذا المريض المنتهي الصلاحية الحرب أو القتل للدكتور إذا لم يدفع مبلغا كبيرا يصل الى اكثر من 50 مليون دينار لعشيرة هذا المريض الذي في كل الأحوال ميت إذا جاء للمستشفى أو بقي ساعات في البيت .
هذا الوضع الذي يجري في العراق حالياً وفي القرن الواحد والعشرين ، لم يحدث في كل الزمن الماضي وقد كان يحدث في القرنين الثامن والتاسع عشر حينما يغّير البدو ضد المدن ، والان عندما يتصرف هذا الطالب ضد معلمه ، فأن ذلك تعبير اكد على الخلل الاجتماعي العام ، أي إننا جميعاً معنيون بمواجهة هذا الانتهاك وتصحيح الخلل ، في دور العشيرة في المجتمع ، ومن ابرزها أن لا تكون ملاذ للسلوك الطائش ولا تكون فوق القوانين ولا يحق لها بالمطلق أن تتبنى الخارجين عن القانون والمسيئين للسلوك الإنساني والأخلاقي والتربوي والمجتمعي . وبما إن مثل هذه القضية يجب أن تكون من أولويات السلطات وكافة جهاتها الرسمية ، كونها تتعلق بالمراسيم الأولى لبناء الانسان ، فأن الصحفيين والمثقفين والاكاديميين واساتذة الجامعات يتوجب عليهم إعطاء أولوية التفاعل مع هذه القضية لكي تكون حاضرة في جدول اعمال البرلمان والسلطة والدولة. لقد شهد البلد بعد 2003 الكثير من الخروقات للقيم المجتمعية ، وصعدت طبقات وتشكلت مجموعات معظمها خارج القانون ، ومع الأسف الشديد كان للنشاط العشائري والعمل السياسي دوراً بارزاً في حماية مثل هذا السلوك والتعامل معه كأنه سلوك فردي يتم معالجته عبر الفصول العشائرية ، وهذا خطأ فادح لحاضر ومستقبل العراق ، كونه يؤسس لجيل أو أجيال خارج منطوق الحضارة والبناء الإنساني والمعرفي والاجتماعي لوطن ، كان هو من اول بلدان الكونية معرفيا .