كلنا نحلم ، وكلنا نتخيل ، وحلم الطفولة وتخيلاتها يبقى هو الابهى ، والاكثر لصقاً في الذاكرة ، فالخيال يعني التمرد على ظروف الزمان والمكان .. في طفولتنا ، كان حلمنا كبيراً بقدوم العيد والعيدية ، وبضحكة امنا ، واللعب مع الاقران ، ومع سنوات يفاعتنا ، اتسعت احلامنا وتخيلاتنا ، فكنا نتمنى ان نكون مثل الرياضي فلان ، او الفنان علان ، وتكثر مطالباتنا في الحصول على نستلة مارس الإنكليزية بسعرها المعروف (60 فلساً ) و( لفة همبرغر ابو يونان) بأربعين فلسا ، والذهاب الى منطقة ( بارك السعدون ) وهي ساحة خضراء تقع في شارع النضال من جهة ساحة الاندلس وسط بغداد من اجل المشاركة في ملاعبها الراقية ، والنظر خلسة الى الصبايا اللائي يكبرنا سناً وهن يلعبن بمزلاجات ( الرول سكيت ) ويدورّن حول الساحة ، ومع مغادرتنا يفاعة العمر، نجد انفسنا تحت عباءة المراهقة ، فالزغب الواضح للعيان ، وهو الشعر الخفيف الذي يغطي معظم مناطق جسم الشاب ، ويظهر جليا على شكل شارب ، مشكلا علامة الرجولة المبكرة .. وباختصار اقول : الانتقال من الطفولة إلى يفاعة العمر تبدأ نواة شخصياتنا وأمزجتنا في الاستقرار النسبي الضئيل ، لكن مع سنوات المراهقة والاقتراب من النضج الحياتي تتوضح رؤانا ، لتكون القراءة سبيلنا الى فهم ملامح المستقبل .. والى جانب تنوّع حالات الزمان التي تمرّ على الإنسان، ولكن حاله يبقى واحداً اوحدا في كلّ حال !
وفي دوران الحياة ، نجد من خابت احلامه وتخيلاته ، بسبب ربما خارج عن نطاق الشخص ، او انه تعب او استعجل الوصول الى مرماه حيث اتخذ من السراب سبيلا ، وهناك من سار بهدوء وروية على طريق الوصول الى هدف مرتجى ، فتحققت احلامه وتخيلاته ، مؤكدا إن الإرادة هي التي تحكم البشر، وليس المكان أو الزمان أو الناس ، فمن تمسّك بمرساة الواقع ، واستلهم ابعاد المستقبل ، يبقى ناجحا ومعطاء.
هي ليست دعوة ، لوضع لاصق على الاحلام والتخيل ، بل علينا معرفة حقيقة كواليس الدنيا وأزقتها ، فان لم يستطع الإنسان السير مع الزمن، فالزمان قادر على أن يسير دونه!.
تحية لأصدقاء عالم طفولتي ، واحباب يفاعتي ، وزملاء مراهقتي واغصان مودتي من أترابي وصنوي في الحياة والمهنة الذين اتواصل معهم .. لكم جميعا انشد ما قاله الشاعر فاروق جويدة في قصيدته “سترجع ذات يوم” هذه الأبيات:
أضعنا العمرَ شوقاً.. و انتظاراً
وتحملني الأماني حيث كنا
فأسأل عن زمان ضاع منا
وأعجب من ترى يغنيك عنا
فهان الحبُّ يا قلبي.. وهِنَّا؟