ليس عندي حلول عاجلة لمشكلات النظام السياسي الحالي في العراق، لكني على الاقل اشخّص عيوبه البنيوية، واقترح حلولا جذرية لهذه العيوب. ذلك ان النظام بحاجة الى تغيير او اصلاح جذري وليس الى حلول ترقيعية فوقية كالتي تنادي بها الاحزاب الحالية القديمة والجديدة على حد سواء.
تكرر مني القول منذ سنوات طويلة ان هذا النظام يعاني من عيوب تأسيس واخطاء ممارسه. ولهذه اسباب كثيرة لست بصدد التطرق لها الان. لكني سوف اذكر مسألتين هنا هما: اولا، مسألة الكتلة النيابية الاكثر عددا، ومسألة تشرذم الاحزاب، وهما مسالتان مترابطتان.
الدستور الدائم ذكر مسألة “الكتلة النيابية الاكثر عددا” في المادة (76) التي تقول: “اولاً : يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء”. ولن ادخل هنا في النقاش حول ان هذه الكتلة تتشكل بالانتخابات ام بالائتلافات، لان المشكلة واحدة هنا، وهي عدم النص على الحد الادنى من العدد المطلوب. فقد تتوفر كتلة نيابية اكثر عددا من الكتل الاخرى، لكن عدد نوابها اقل من ان يضمن الاغلبية المطلقة المطلوبة لحصول الحكومة على ثقة مجلس النواب. وهذا يعني ان الفقرة (اولا) من المادة ٧٦ تصطدم مباشرة بالفقرة (رابعا) من نفس المادة التي تقول:”يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة”.
والحل هو كما في بعض الدول التي ينص دستورها على شرط ان يكون عدد اعضاء هذه الكتلة نصف عدد اعضاء مجلس النواب + واحد. وهذا النص يضمن تطبيق الديمقراطية باعتبارها حكم الاغلبية البرلمانية. ويجعل من تشكيل الحكومة بعد الانتخابات امرا سهلا.
طبعا هناك نقطة اصطدام اخرى في المادة ٧٠ المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، حيث تقول: “اولاً : ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، باغلبية ثلثي عدد اعضائه”. ولكن امر هذا الاصطدام يهون لو كانت الكتلة النيابية المقصودة مؤلفة من نصف عدد اعضاء مجلس النواب + واحد، لان هذه الكتلة التي سوف تتولى تشكيل الحكومة يمكن ان تسد النقص في التصويت عن طريق الاتفاق مع كتل اخرى لتأمين شرط الثلثين في التصويت.
ولحل مشكلة الكتلة النيابية الاكثر عددا بالشكل الذي اقترحته انفا، يجب ان نحل المشكلة الثانية وهي تشرذم الاحزاب.
ابتداءً يجب ان اقول انني لست مع الرأي القائل بنبذ الاحزاب؛ فالاحزاب من ضروريات الحياة السياسية السليمة. ولا يترك امرها بسبب تجربة مرة هنا او هناك. غاية ما في الامر ان علينا ترشيد الحياة الحزبية لا محوها من المسرح السياسي.
ارتكبت الطبقة السياسية عندنا خطيئة كبيرة حين اتجهت الى الكثرة الكاثرة من الاحزاب، فاضحت تعددية حزبية بالغة، وتابعها في ذلك الجمهور، فاضحى لدينا عدد كبير من الاحزاب فوق ما تحتاج اليه الديمقراطية، بل اصبح العدد الوفير من الاحزاب معطلا للديمقراطية ومسيئا لها. ومن مظاهر الاساءة عدم قدرة الانتخابات على انتاج كتلة برلمانية ذات اغلبية، فضلا عن تشتت اصوات الناخبين، وهبوط مستوى التمثيل النيابي. اما تجميع النواب بعد الانتخابات بحجة ان مجموعهم يمثل شريحة كبيرة من الناخبين فهذه مغالطة لا تنطوي على من يفهم الاليات الديمقراطية. ولا يمكن الاعتداد بها. ولا يمكن حل هذه المعضلة الا بتشريع قانون يلزم تأسيس احزاب كبيرة بعدد قليل كي لا تتشتت الاصوات وتكون نتيجة الانتخابات ظهو حزب او حزبين باعداد كبيرة جدا من النواب تسهّل قيام الكتلة النيابية ذات الاغلبية المطلقة.