لن أضيف جديدا لما قيل في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن تسريب أسئلة الامتحان الوزاري ، فقد قيل كل شيء ، ووصف المخترَقون في وزارة التربية بشتى النعوت ، ومنها عبارات جديدة لم نسمع بها من قبل ، اذ أبدع أصحابها في صياغاتها ، بحيث كفوا ووفوا ، وقطعوا الطريق على كاتب مثلي للحديث عن موضوع تصّدر أولويات الرأي العام للأيام الماضية ، بما أنسى الناس الانسداد في عمليتنا السياسية المباركة ، والمبادرات العرجاء التي ما أن تطلق حتى تسقط دون أن تحرك ساكنا في مجرى تكلست محتوياته ، وما عاد سالكا لمرور قشة ، وبهذا تضاف نكبة أخرى لحياتنا المرتبكة .
ليس غريبا أن تحدث مثل هذه النكبات في الأمن او التربية او المرور وغيرها ، مؤسسات هشة ، هياكل فارغة من المحتوى ، وجودها بذاته منتج للأزمات وليس حلها ، فعندما تؤخذ المحاصصات الحزبية والتوازنات الطائفية والتوافقات المصلحية في تعيين مسؤوليها وليس الكفاءة او المنجز او التاريخ المهني ، فبالتأكيد يذهب ذلك بالبلاد والعباد الى الانهيار الذي نحن فيه ، وكنا نأمل ألا يصل الخراب الى منظومتنا التعليمية ، فاذا به يخترق الرأس وليس الأطراف ، وقيل قديما ان الفساد اذا وصل الى التعليم والقضاء أقرأ على البلدان السلام . فهل نقرأ السلام ام مازال للأمل بقية ؟ .
لا أعرف على وجه التحديد نحمّل مَنْ مسؤولية المغامرة بحياتنا ومستقبل بلادنا، حكومات بُنيت على التوافقية بحيث كل عنصر فيها لا يرى في نفسه مسؤولا عما يجري ، ويلقي باللائمة على غيره ، وبعبارة يطلقها الجميع بدءا من رئيس الدولة الى أصغر موظف في مؤسساتنا الرسمية ( ندعو الحكومة ) متناسين انهم الحكومة ، وان قلنا يا اخوان نريد جهة محددة تتصدى لقيادة البلد والجميع يراقبونها ، قيل ان البلاد لا تتحمل هكذا اجراء ، ولا بد من التوافق ، حتى وصلنا الى الصخرة التاريخية التي لا أرغب بتسمية صاحبها والتي ادعى انها سبب فيضان بغداد بساعة مطر واحدة ، ما أحوجنا له الآن لتسليك الانسداد السياسي الذي مضى عليه ثمانية أشهر بعد الانتخابات التي وصفت بالمبكرة .
الكل يعرف من القضاء الى السياسيين ، بأن الخلل يكمن في تفسير المحكمة الاتحادية للكتلة الأكبر ، يوم فسرتها تحت الضغط السياسي لصالح طرف على حساب آخر ، وقلنا مرارا منذ أكثر من عقد انه تفسير غير موضوعي وتداعياته كارثية ، لكن مر كلامنا عابرا ، ونكرر أعيدوا النظر بتفسيرها والملغم من المواد الدستورية ، وخير من يقوم بذلك القضاة والأكاديميون واولئك الذين لا يسمع لهم أحد ، لأن السياسيين ينحرفون بالأمر نحو مصالحهم . الذي يُحب الوطن حقا عليه أن يفعّل فكرة تعديل الدستور ، وتشكيل لجنة مختصة وليست سياسية، اذا أُريد للعملية السياسية استقرارا وللحكومات التشكل ضمن المدد الدستورية بعد الانتخابات.
عجيب أمر السياسة في بلادنا ، تقودك من الحديث عن التعليم الى الحديث عنها، ثمة حرقة في القلب ، وليس من أحد يطفئها بفعل سياسي يريحنا ، وينتشل الناس من الوحل الذي هم فيه ، لنستبشر خيرا بمستقبل يطمئننا على مصير أبنائنا .
لست يائسا مع ان العمر يمضي ، فالتاريخ يخبرنا بلحظات حاسمة ، تحققت فيها تحولات غير متوقعة ، لكني اجزم ان عملنا السياسي وبوضعه الراهن لن يفضي الا الى الضياع ، ولا حاجة لدليل ، فنحن في مقدمة الدول فسادا ، وفي مؤخرتها تعليما وثقافة والباقي تعرفونه .
الى الذين رفعوا شعاراتهم قبل تغيير النظام بأنهم يناضلون من أجل عراق متقدم ينعم أهله بجميع ألوانهم بحياة رغيدة وكريمة ، القيادة بأيديكم ، وطرق الاصلاح معروفة ولا حاجة لمن يدلكم عليها ، وقد مضى ما يقرب العشرين عاما ، وأظنها كافية لاكتساب الخبرات لمن لا خبرة عنده ، نأمل بالإصلاح ، وأول خطواته الا يُترك مقودنا بيد الغرباء، وثانيهما تشخيص أخطاء ما مضى، اسمعوا : التاريخ لا يرحم وحساب الشعوب عسير.