كتبَ | ناجح صالح
كل حضارة هي نسيج لوحدها ،وتاريخ الحضارات حافل بهذا المعنى وان تشابهت بعض صوره ، فالأغريق لهم قدم ثابتة في الفلسفة والرومان في القانون والفرس في الفن والأدب .
غير أن هذه الحضارات كان طابعها وثنيا ، وما كان فن النحت وما فيه من نقوش وزخارف ، والمعابد التي شيدت الا تمجيدا للآلهة المتعددة .
ولعل حضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل لم تخلوا من هذا الأتجاه .
أما الحضارة العربية الاسلامية التي اعتمدت مبدأ التوحيد فقد خلت فنونها من الطابع الوثني.
ان العمارة الاسلامية لاسيما في بناء المساجد تعتبر نموذجا متقدما في الأبداع والتجديد لما فيها من دقة وجمال .
وطيلة قرون كانت الحضارة الاسلامية ترفد عالم القرون الوسطى بعطائها الزاخر فنا وأدبا وعلما .
لقد كانت حضارة نابضة بحيويتها ، غير أن أهم ما قدمته هذه الحضارة هو عقيدتها بما اتسمت به من مباديء وأخلاق لم تتوفر في حضارات أخرى .
لقد نالت هذه الحضارة الرضا حتى من أعدائها في تسامحها وعدلها وأمانتها .
حملت الحضارة الاسلامية في طياتها قيما عالية وهذا هو سر تألقها ، فلما اهتزت تلك القيم زال ذلك التألق .
تراجعت بل توقفت الحضارة الاسلامية بعد سقوط بغداد وسقوط الأندلس .. كانت ضربات موجعة ، غير أن أوربا في هذه الفترة – نهاية القرون الوسطى – بدأت نهضتها فنا وعلما وأدبا بعد أن اقتبست ما اقتبسته من الشرق .
وبدا بريق هذه الحضارة يأخذ دوره المتميز لاسيما بعد الثورة الصناعية لتسود مفاهيم جديدة وتغيرات اجتماعية لم يألفها أحد من قبل ..
في الوقت الذي ارتفع رصيد الجانب المادي الدنيوي البراق تضاءل الجانب الروحي والأخلاقي رويدا رويدا حتى أوشك أن يتلاشى .
ان أية حضارة تغفل الجانب الروحي والأخلاقي يكون مصيرها آخر الأمر الى زوال وسقوط .
وحينما تقف الأمة – أية أمة – عاجزة عن كبح جماح أطماعها وشهواتها فانها تنحدر الى الهاوية مهما بدت في ظاهرها قوية متماسكة .
وقد يكون فناؤها بنفس السلاح الذي تصنعه لسحق أعدائها .. ان صناعة السلاح المتطورة ليس فيه خير للانسانية بل هو مقدمة لسقوط الحضارة .
وصناعة الشر لا تثمر الا شرا فبأي منظار ننظر به الى الحضارة الغربية وهي غير قادرة لاستثمار صناعتها بعيدا عن الأنانية والطمع .
ليس من باب التأويل ما نقول ولكنها حقائق لا جدوى من انكارها .