ليس من باب تفضيل طرف على آخر، لكن من ناحية التوصيف المجرد للمشهد العراقي في لحظته الراهنة، فإن أية استقالة يقدم عليها التيار الصدري من مجلس النواب، ستقود تداعياتها الى انسحاب مرجح من العملية السياسية، وهذا يعني تغييراً شاملاً لقواعد اللعبة السياسية التي قامت في البلد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق.
أمّا قضية قيام معارضة داخل النظام السياسي المتداول فهي اكذوبة برّاقة، وهناك مَن يعجبه المضي في الترويج لها لأسباب الاستقطاب أو الاستهلاك، لكن ليست هناك أية قناعة جدية في إمكانية تحقيقها لسبب بسيط هو انّ العملية السياسية في تصميمها الاساس لم يكن هناك اية مساحة لوجود معارضة بأي مفهوم متاح.
لا زلت عند قناعتي المستنتجة من مراقبة طويلة لهذا المسار بشقيه المحلي أو الدولي، في انّ إيران هي اللاعب الذي يستطيع طي صفحة الخلاف حول الكتلة الأكبر وقيام حكومة عراقية جديدة، وانّ دول الجوار تعي ذلك وتتمناه ايضا، فضلاً عن انّ القوى الكبرى تدرك ما يدور في هذا الفلك.
انّ القوى التقليدية الموالية لإيران في اختبار حيوي اليوم، لكن الذي ستقع عليه مهمة الاجابة على الأسئلة الصعبة والمصيرية هي إيران وحدها.
لقد وجد الإيرانيون أنفسهم فجأة في نهاية العام ٢٠١٩ في مواجهة مع شعارات مضادة بقسوة لهم في العر اق عبر انتفاضة تشرين، وهي نتيجة صادمة لم تكن متوقعة لزرع كان ينبغي ان يثمر عن حصاد مختلف وفق حسابات الجمع والطرح، لكن قراءة إيران جاءت متأخرة مستندة الى مقدمات غير صحيحة من الموالين لها في العراق كما ألحق بسمعتها الأذى في تداعيات انتفاضة تشرين.
اليوم على طهران ان تصحح القراءة، في التعاطي مع المشهد السياسي الشيعي، الذي تحرك الى امام فيما المقولات التي انتجته قبل عقدين لا تزال جامدة، وهذا لا يقبل به التيار الصدري بوصفه المُعطى العراقي الجديد لتفاعلات عمرها عشرون سنة ولا بدّ من أن تعطي ثمارا مختلفة، حتى لو كان طعمها مرّاً، فذلك لا يعني انّ طعم الاخرين كان حلواً زلالاً.