تحمل مخيلتنا صورة ذلك الصبي الرشيق الخفيف بحركاته وهو يطير مع بساط الريح فوق قباب بغداد وأسواقها، منزلقاً بين سحابات السماء الزرقاء، ومتلصصاً بنظره ومحدقاً في شرفة الأميرة الجميلة، وهو يزهو بعمامته وقميصه وسرواله وحذائه الأحمر.
لم نكن نتصور، ولا يمكننا، ان ذلك البساط يستطيع أن يحمل فيلاً، ولا أن نعتقد ان فيلاً يجرؤ على امتطاء بساط والارتفاع به، ناهيك عن حركات أو مناورات.
غير ان مثل هذا الاستغراب لا يصح في عراق اليوم!!
يبدو ان حكايات الف وليلة لم تتوقف، وأنه يجب على شهرزاد أن تصحو من غفوتها الطويلة وأن تعاود الحديث في ما يجري من عجائب في بغداد القرن الحادي والعشرين. انني على يقين انها ستروي من الحكايات عن عراق اليوم ما تنوء بحمله مجلدات! حتى انها سوف لا تنسى السفن الفضائية السومرية التي تحدث عنها وزير النقل الحمامي! طبعاً، وغيرها كثير الكثير. ستتحدث عن ما حل بابناء القادسية من هزائم، وعن ما يعشعش في رؤوس الناس من جهل وتخلف، وعن الأبناء الذين لا يعدون ولا يمكن حصرهم من أبناء علي بابا ومغاراتهم الكبيرة. وعن ما حل بالدينار العراقي وتمره ونخله ومياهه.
هل ستصدق شهرزاد ما يقوله الاعلام عن ديمقراطية الحكم وسيادة العراق والعدالة بين المواطنين؟ كل يوم تقابل شهرزاد آلافاً من العاطلين عن العمل، وماذا ستقول لهم؟ كيف ستطيب خاطر الملايين من الأرامل والأيتام والمطلقات؟
لم تصدق شهرزاد حكاية طيران الفيل التي سمعتها وهي في رقدتها ودفعتها للنهوض لتصرخ في وجوه الناس مسفهة عقولهم وتسأل: أروني كيف يطير الفيل على بساط الريح؟ لكنها تفاجأت وتراجعت واعتذرت وأسرعت للعودة إلى غفوتها، بعد أن رأت ما يفوق الفيل ممتطياً بساط ريح!
رأت رئيس الجمهورية لا يرضى ان يكنى بالعراقي، ورئيساً للوزراء لا يسعى الى سيادة بلده، ورئيساً للبرلمان يدير لعبة الفرقة والتناحر بين كتل بشرية!
رأت العالم جاهلاً، والجندي هارباً، والامام حرامياً، والشرطي سارقاً، والقاضي مرتشياً، والاستاذ طالباً، والزارع آكلاً، والراوي عطشاناً، والقوي ضعيفاً والضعيف قوياً!
لم يبق لشهرزاد الا ان تصدق حكاية الفيل الطائر، وأن تبصم بالعشرة على رؤيتها له، وأنها تعتذر عن خطأ موقفها من الحكاية!
تصبحون على خير” قالتها ومضت الى رقود عميق تحاول إسكات غضبها!!
برلين، ٣/٦/٢٠٢٢