ان من الاسئلة المهمة التي تطرح الان وبعد ما يقارب العشرين سنه على سقوط النظام السابق ،، هو ما سبب هذا الفشل والاخفاق الكبير في كل الملفات وما وصل اليه حال الدولة والسلطة المأساوي في العراق ،، ومن المؤكد ان هذا الذي ذهبنا اليه تقف وراءه اسباب وعوامل ذات ابعاد مختلفة ، وفي هذا المقال سنتحدث عن البعد الاجتماعي لاهميته في صيرورة هذه الظاهرة ، ومن الطبيعي ان الذي سنتناوله لا يشمل الجميع ولا الناس البعيدين عن الوصف الذي سنتناوله ، ولكنه على الاعم الاغلب كما هو معروف في العلوم الانسانيه ومنها علم الاجتماع . ان كل من مكونات المجتمع العراقي يمكن تقسيمه الى مجتمعات قريبة من قيم البداوة والتعرب ،، واخر هو المجتمع المتحضر القريب من العصرنه والحداثة والتطور ، واشدها هي المجتمعات والاشخاص التي يتصاعد فيها الصراع القيمي (قيم البداوة وقيم الحضارة ، نظرية العلامة المرحوم الدكتور علي الوردي) ، وهذا ينطبق على المكون الاكبر الذي تصدر العملية السياسية . ان الذي سيطر على اهم مفاصل الدولة والسلطة ، نسبة كبيرة منهم هم من القسم الاول ، والذين قد يختلفون عن اعراب السلطه في النظام السابق من حيث الاسلوب والتعبير والطريقة و لكن المخرجات النهائية واحدة وهو خراب البلاد واهلاك العباد (نظرية العلامة ابن خلدون) ،،، وهذا الوسط هو على الاعم الاغلب مليء بالتناقضات والعقد الاجتماعية ، فهو يعيش عقدة الحرمان والعوز والفقر والدونيه وفقدان الجاه والمكانة الاجتماعية والنفاق والتذلل ،، وكذلك العقدة الاجتماعية التي شعرنا بها منذ العهد الملكي ، وهي محاوله تقليد المجتمعات المتحضرة من الناحيه الشكلية وليس المضمون ،، وهذة الظاهرة اقرب لمقولة العلامة ابن خلدون (المغلوب يقلد الغالب في كل شيئ) ،، وكذلك الانتقام منها في نفس الوقت ، وهذا ما حدث ايضا ابان النظام السابق . ،،، اما الوسط الاخر المتحضر فيمكن تحديد اهم الاسباب لهذا الفشل والاخفاق ، وهو يعود الى الاتي :- (اولا) في نظريات وفرضيات علم الاجتماع ،،، ان المجتمعات او المكونات التي تشعر انها تتعرض او تعرضت الى الظلم او التهميش او الاقصاء لمئات السنين وليس لعشرات السنين ، فانه على الاعم الاغلب من المستبعد ان تظهر فيها شخصية قوية وقيادية وجسورة وتتمتع بكامل مواصفات الزعامة والرئاسة ، ، لانه خلال المدة الطويلة جدا التي بلغت قرون عديدة ، اصبحت هنالك شخصية تقليدية لهذا المكون او المجتمع ، هي نتاج هذة الضغوطات والسياسات القسرية وهذة تدخل العقل الباطن على المستوى الفردي والجمعي ، وقد تصل الى الجينات الوراثية ، بعد كل هذة السنين الطويلة ،،، وهذة الحالة تظهر وتبرز اكثر في المرحلة الجديدة التي تعقب المرحلة التي اشرنا اليها . (ثانيا) اما العامل الثاني والذي قد يزيد من هذة الظاهرة كحال الشخصية الشيعية في العراق على سبيل المثال ، التي تعيش في عقلها الباطن منذ مئات السنين حالة مأساة شهادة الامام الحسين ومظلومية ال البيت (عليهم السلام) ، كل هذا اثرت على ارهاصات ووجدان هذة الشخصية التي اخذت بعدا تراجيديا مأساويا اثر على عموم مزاياها وصفاتها ، وبالتكيد ان مثل هذا النمط من الشخصيات تجدها في كثير من الاحيان شبه منكسرة او ذات صبغة دفاعية مستكنة ، وتكون بالنتيجة بعيدة عن شروط ومواصفات القيادة المطلوبة وخاصة في مفاصل الدولة المتقدمة وقيادات صنع القرار اضافة الى الاجهزة التنفيذية والعسكرية والامنية وفي مقدمتها القيادة العامة للقوات المسلحة ، وخاصة ضمن الواقع العراقي . (ثالثا) ان الوسط الشيعي المتحضر كان بعيدا في كل العصور والعهود عن الدولة والسلطة وخاصة في اجهزتها التنفيذية المهمة ، باستثناء بعض الوظائف كالتعليم والمالية وماشابه ، ولذلك فقد كنا نجد انه من النادر ان يدخل احدهم الكلية العسكرية او كلية الشرطة ، وللاسباب التي ذكرتها اضافة الى الاشكال الشرعي ، وخاصة ان نسبة كبيرة من هذا الوسط كان الوحيد تقريبا قريبا من المرجعية الدينية ابان العهود السابقة . (رابعا) ان هذا الوسط كان دائما يمثل البازار العراقي ، وهذا واضح في المراكز التجارية الرئيسية في بغداد وغيرها ، فهو ذو عقلية تجارية ، فبامكانه ان يدير اكبر صفقة تجارية او مؤسسة اقتصادية ، ولكنه قد لا يستطيع ادارة مركز شرطة صغير ، (خامسا) ، ان معظم الذين تصدروا العملية السياسية ، وتبوؤا مراكز مهمة في الدولة من عموم شخصيات هذا الوسط ، فانه يبدو انهم اصيبوا بنوع من الذهول وفقدان التوازن ، لانهم لم يعتادوا او يشاهدوا ان احدهم وحتى على مستوى الاباء والاجداد وصل الى مثل هذة المناصب منذ اجيال طويلة وعهود خلت ،،، ولذلك فاننا نجد الواحد منهم يحاول ان يتشبث باي شيئ ، حتى يسيطر على توازنه ويحافظ على ما وصل اليه ،، ومن هنا شاعت ظاهرة ((اللواكة)) و((التراجع)) ((الانبطاح)) و ((الاستجداء)) في محاولة لارضاء الاخرين ، ان كانوا من شركاء العملية السياسية او على المستوى الاقليمي والدولي ،، (سادسا) ان مغريات المنصب والمنافع المادية قلبت كثير من الموازين ، واحدثت تغيير كبير في هذة الشخصيات وفي ظل نظام متهرئ ليس للقانون سلطة ولا للدولة هيبة واحترام ،،، لقد كانت هذة رؤية شخصية لبعض العوامل والاسباب التي تقف وراء هذا الفشل استقيناها من ارض الواقع .