في الحسابات الاستراتيجية، لا يزال العنصر البشري مُهيمناً وضاغطاً، ولم تستطع التكنولوجيا فائقة التقدم للجيوش أن تزيحه عن موقعه، بالرغم من تقليصه في بعض المفاصل والمجالات الى درجات قصوى، وأكبر دليل هي حرب أمريكا في احتلال العراق العام ٢٠٠٣، إذ تجاوز عدد الأمريكيين الذين قاتلوا عبر التدفقات العسكرية أكثر من مليون جندي ومتعاقد ومدني في خلال تسع سنوات. وها نحن نشهد روسيا أيضاً كيف تعاني في زج فرق قواتها العسكرية في حربها في شرق أوكرانيا، بالرغم من التكنولوجيا الحربية الروسية لا يُستهان بتقدمها ودورها الأساس في القصف عن بعد.
العلاقات التي تربط السعودية، البلد الرئيسي في مواجهة التحدي الأكبر في منطقة الخليج، مع مصر، لن تقف عن الاستثمارات الاقتصادية والطاقة، ولكن مركز هذه العلاقات مرتبط بالخزّان البشري الكبير الذي لا تزال تملكه مصر، ليكون مكملاً لعناصر تكنولوجية ومادية متفوقة تتمتع بها الرياض. من لا يرى هذا الملمح تكون رؤيته خارج مضمار المعادلات الاستراتيجية في المنطقة الملتهبة.
لاسيما بعد أن تحولت الإمكانات البشرية في العراق وسوريا الى الجهة المناوئة من المعادلة العربية الجارية، ووجدنا ذلك بإرساليات المليشيات للقتال في اليمن ضد السعودية أو القتال بشكل عام في سوريا.
يرتبط بالعنصر البشري العسكري المصري ما أعلنه الرئيس السيسي من تعهد واضح للتدخل في أي وقت عند تعرض أمن البحر الأحمر للخطر، وهذا البحر في المجال الحيوي للمصالح السعودية قبل سواها.
الجغرافيا باتت عبئاً كبيراً على الدول في تأمين حماية حدودها حين تكون شاسعة ومتنوعة الطبيعة، كما انها عبء من ناحية الوقوع في مناطق أزمات الاخرين وليس بالضرورة على اتصال مع مشاكل تخص دولة بعينها.
عنوان التعاون المفتوح بين السعودية والقوى الإقليمية الكبيرة وذات الموقع الاستراتيجي، هو الاقتصاد والاستثمار، لكن من دون المصالح العسكرية المتبادلة، لا يكون هناك معنى للأموال والاقتصاد والشركات والطاقة أيضاً.
هناك أثر مباشر ومنظور في المدى القريب هذه المرة لزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى مصر وتركيا والأردن، ولعلّ الصورة تكتمل مع مجيء الرئيس الأمريكي جو بايدن الى الرياض في منتصف تموز المقبل