على الرغم من اختلاف برامج الأحزاب وتباين آيديولوجياتها, إلا أنها تكاد تكون متفقة على خارطة طريق, يكون الشعار فيها هدفا تسعى جاهدة لتحقيقه.
خوض غمار العمل السياسي, يتطلب صياغة برامج تنسجم مع الشعارات, حتى وإن كانت الظروف غير مناسبة، وهنا يأتي دور التكتيك السياسي, والذي على مايبدو أن الأحزاب التي مارست أنشطتها في العراق قد أخفقت في إجادته, الأمر الذي حول الشعارات, الى كلمات جوفاء نتيجة الفارق بين نظريتها وتطبيقاتها على الواقع.
العدالة والحرية التي كانت من دوافع التصدي للعمل السياسي إبان العهد الملكي, ماهي إلا مفردات تكتب على الورق, ويتلوها إعلاميو ذلك العصر في محافلهم الرسمية، فيما يؤكد الواقع خلاف ذلك, حيث هيمنة الاقطاع على إرادة الفلاح ومصادرة مجهوده, مما تسبب في الهجرة الجماعية نحو المدن، ناهيك عن النفس الطائفي, الذي كانت عرفا سائدا آنذاك برعاية الأسرة الحاكمة, مما تسبب في تهميش ابناء الوسط والجنوب, وابعادهم عن المشاركة في إدارة الدولةو والاعتماد على الطبقة الارستقراطية في تسسير شؤون الحكم، وبطبيعة الحال إنعكس هذا على التمثيل المتوازن في المؤسسات الأمنية, التي يعد القبول في الكليات العسكرية أساسا للمشاركة فيها.
بعد ذلك جاء الشيوعين بشعار يثير الشفقة, على من التحق بركبهم من دعاة التحرر, كونهم صدقوا أكذوبة الوطن الحر والشعب السعيد والغريب ان التدخلات الخارجية تؤكد تبعية رافعي شعار الحرية, وتبنيهم منهجا إقصائيا لمخالفيهم سخروا له الامكانات ليصبح العراقيون من اتعس شعوب المنطقة, مايثبت كذب نواياهم وخداعهم في إسعاده.
الحديث عن التحالف الشيوعي البعثي ليس من باب السرد التأريخي للأحداث, بل هو تسليط الضوء على مثالية الشعارات ومنافاتها للسلوك الذي دأبت عليه ما سميت بالجبهة الوطنية، والتي كان الشيوعيون أول ضحاياها بنيران البعث, لتبقى إرادته الاقصائية اللاعب الوحيد في الساحة قبل ان يشمل بطشه محافظات العراق أجمع, مع حصة الأسد للشيعة والإكراد، وهنا يسهل للمتابع إقناع الأجيال بدموية البعث, والفارق بين نظريته التي تؤكد على الحرية والوحدة وغيرها من المفردات المثيرة للاشمئزاز, جراء معايشة العراقيين لكذبة عمرها اربع عقود من حكم البعث وبين تطبيقاته التي سودت تاريخه من المقابر الجماعية والحروب العبثية ومصادرة الحريات وانتهاك الأعراض, وهو مايعكس السلوك البعثي في تعامله مع الشعب, ومع ذلك نشاهد شعاراته وخطاباته الجوفاء تلوث جدران البنايات والطرق العامة, من قبيل “شعب يقوده صدام مكانه الذرى ” وغيرها من المفردات التي تختنق النفس الأبية ان تعيدها في الخاطرة المليئة بذكريات القهر والتسلط.
بعد زوال البعث وإنتهاء صلاحيته، تحول العراق من حالة الكبت وخنق الحريات, إلى واقع منفلت في ممارستها لتعود الشعارات الخاوية لصدارة المشهد, والتي سرعان ما يصدقها أغلبية الشعب, الذي انقسم في ولاءاته, تبعا لما ينسجم مع العقل الباطني الذي يسيرها.
في كردستان تبنت الأحزاب النافذة شعارا قوميا يناغم تطلعاتها في حلم الدولة المستقلة, والتي غفل فيها القائمون على هذا الحلم, قراءة الواقع الإقليمي والتوازنات الدولية التي شهدها العالم برمته.
بينما سعى صناع القرار السني إلى إعادة المجد القومي والمذهبي الذي حكم العراق به طيلة قرن من الزمن وسخروا له جميع الامكانات المشروعة وغير المشروعة, وهذا الحلم تحطم على صخرة الواقع الذي رسمته الفتوى التي صدرت من النجف الاشرف عقب إجتياح داعش للمنطقة الغربية, والتي غيرت قناعات المحيط العربي مما جعل إعادة قراءة الواقع العراقي أمرا ضروريا وجب فيه التعامل على ضوء المعطيات التي افرزتها الحرب.
الواقع الشيعي وبالرغم من إحتواءه لعوامل الوحدة والتكاتف, إلا أنه شهد إنقساما حادا تتحكم به العواطف التي تساق خلف شعارات لا تختلف عن مثيلاتها في العقود السابقة.
ان ميول الفرقاء إلى نزعة التفرد مع تبني شعارات توحي للمراقب وكأن أغلب المتصدين قد إتخذوا من الشعب حقلا لتجاربهم, فما بين السعي لبناء الشخصية الرسالية وتمكينها من قيادة البلد إلى الإصلاح الذاتي للفرد والانطلاق نحو الإصلاح الإجتماعي ليؤسس لبنية سياسية صالحة تولد من رحم المجتمع.. يعيش العراقي بين هذين الشعارين أسوأ لحظاته حيث البطالة والغلاء المعيشي وسوء الخدمات الصحية وتردي الواقع التربوي والتعليمي, وغيرها من السلبيات الحاصلة في ظل الحكومات المنبثقة من تحالف رافعي تلك الشعارات.
فعن اي إصلاح يتحدث المنظرون, ومدن الوسط والجنوب اصبحت فريسة لحيتان الفساد وعصابات الابتزاز؟ وعن اي بناء يتكلم الآخرون, وهم من اجازوا لانفسهم الاستحواذ على المال العام, وإنفاقه على ملذاتهم في الوقت الذي ترضخ فيه جماهيرهم لظروف قاهرة من العوز والحرمان؟!
بعد هذا ألا يجب أن نسأل أنفسنا إلى متى يبقى البعض بنفس السذاجة وترتفع اكفهم لتحيي أصحاب الشعارات الجوفاء التي تحرق احلامنا وتجعلها سرابا؟!