ولد جيمس تيت عام 1943 في مدينة كانساس بولاية ميزوري الأميركية، وتلقى تعليمه في جامعة أيوا حيث كان لا يزال طالباً عندما صدر كتابه الأول (الطيار المفقود) عام 1967، واختير للنشر في سلسلة ييل المميزة للشعراء الشباب، ومنذ ذلك الحين نشر تيت أكثر من عشرين كتاباً شعرياً آخرها (بحيرة الحكومة).
قرأت جميع دواوين الشاعر في وقت صدورها، وكنت دائماً أعيد قراءتها على مدى السنوات المنصرمة، وخلال هذه السنة أعدت قراءتها مرة أخرى وشعرت بقيمة إنجاز تيت أكثر من أي وقت مضى.
يمتلك تيت دائماً هدفاً جدياً ولديه قصائد مهمة كثيرة جداً مكتوبة بطرق مختلفة لا يمكن أن يقارن عددها بما قدمه الشعراء الآخرون، فمعظم هؤلاء يبدؤون الكتابة مجربين ومايصل إليه هذا التجريب غالباً مايتم نسيانه، لكن الأمر مختلف بالنسبة لتيت، فحتى دواوينه الأولى مثل: (تلميحات إلى الحجاج) مليئة بالابتكار والفكاهة من دون أن تفقد قيمتها الشعرية العالية.
غالباً ما يتعامل النقاد مع جيمس تيت واصفين إيّاه بالشاعر السوريالي فقط من دون أن يضيفوا إلى هذا شيئاً، وهو ينتمي إلى تلك السلالة الأصيلة التي ينتمي إليها أيضا بوستر كيتون ودبليو. سي. فيلدز. (إنها قصة تراجيدية، وهذا هو ما يجعلها غريبة، هكذا يعبر تيت في إحدى قصائده.
وفضلاً عن شعره، كتب تيت رواية (داريل المحظوظ) عام 1977، ومجموعة قصصية، عام 2001، ومقابلات، ومذكرات، وحصل على جوائز عديدة من ضمنها جائزة المعهد الوطني للفنون وجائزة والاس ستيفنز.
درس تيت الشعر في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، كلية ايمرسون، ومنذ عام 1971 في جامعة ماساتشوستس امريست حيث أجري هذا الحوار في ظهيرتين معتمتين من أحد الشتاءات قبل وفاة تيت بفترة قصيرة.
توجهت من هامشير الجديدة إلى امريست بسيارتي سالكا طرقاً صغيرة تضربها الريح مجتازاً مدناً صغيرة معزولة وحقولاً مغطاة بالثلوج.
جلسنا أنا وتيت في غرفة معتمة ببيته بين صفوف عالية من الكتب، الكاسيتات والمسجلات والبسط المطرزة الجميلة المعلقة على الجدران.
كانت لدينا حوارات كثيرة على مدار السنوات الماضية، لكنها كانت بيننا بوصفنا أصدقاء فقط ولم تتخذ أي طابع رسمي، بدأت تسجيل الحديث مصغياً إلى قصص جيمس تيت عن المجرم المحترف وطريد العدالة الشهير جسي جيمس الذي بحسب تيت لم يكتف بكتابة أشعار الهايكو، بل كانت له مراسلات مع شاعر القرن التاسع عشر الفرنسي الغني عن التعريف ارثر رامبو، وعندما بدأنا الحوار الحقيقي، أدركت بأن العديد مما أخبرني به تيت عن حياته المبكرة وبداياته الشعرية وطريقته في كتابة الشعر لم أعرف عنها من قبل، برغم حقيقة أننا كنا أصدقاء على مدى أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
* سيميك: لديك قصيدة عنوانها (نهاية الجنوب) تبدأ هكذا: (يكون التحدي دائماً في كيفية العثور على المطلق في روث الحصان)، هل يمكن أن تشرح بتفصيل أكثر.. ما هو المقصود بروث الحصان، وماذا تعني بالمطلق تحديدا؟
جيمس تيت: أعني روث الحصان المطلق الذي قد تجده في أي مكان، لكن لا تعرف بالضبط أين ستراه، يمكن أن تشاهده في زاوية ما وأنت تستمع إلى شخصين ثملين تعتعهما السكر وهما يثرثران.
* سيميك: هذا هو المختلف الذي يواجهنا ونحن نقرأ الشعر الحديث، أقصد كيفية إيجاد الشيء الخارق للعادة وسط الأشياء المألوفة.
تيت: كنت واعياً لحقيقة أنني أكرر هنا فكرة معروفة، وإضافة روث الحصان لها جعلها أكثر تميزاً.
* سيميك: تظهر قصائدك شخصيات كوميدية تحاول أن تخلق معنى للأشياء وتفشل دائماً، حيث تربكهم الحياة وتصيبهم بالحيرة، فلا يصدر منهم سوى الهراء، هل هذه الشخصيات مرتجلة من داخل اللغة التي تسمعها، أم أنها تأتي من مكان آخر.
تيت: من كلا الأمرين، إنها تأتي أثناء عملية التأليف، في لحظة الكتابة، أحياناً تكون مؤثرة جداً وتجعلك تدرك إلى أي حد ممكن أن يكون شخص ما مجنوناً، وكيف يرى العالم، وكيف يكون الأمر مثيراً للحزن، كل هذا المختلف يخلق نوعاً من السحر، أصحاب نظرية المؤامرة على سبيل المثال، يصيبونك بالجنون، وبرغم ذلك أريد أن أًصغي وأفهم.
* سيميك: هل يعني هذا أن التراجيديا والكوميديا لديك لا يمكن الفصل بينهما؟
جيمس تيت: لا، على الطلاق، إنّهما في المسرح نفسه، على الخشبة ذاتها، وهذا ينطبق على القصائد الأفضل، فأنت لا تعرف إلى أين تتجه الأمور، يمكن مثلاً أن تبدأ بالتراجيديا وتنتهي بالكوميديا أو بالعكس.
* سيميك: هناك اعتقاد قوي بأن التراجيديا أعلى مرتبة من الكوميديا التي ينظر لها الكثيرون على أنها مجرد تسلية عابرة، معتقدين بأن الأدب العظيم يجب أن يمتاز بالجدية والوقار، ماهي الصفة السلبية التي تجعل من المزاح أمراً مقلقاً بالنسبة للكثيرين؟
جيمس تيت: لا أدري، بالرغم من أن معظم الناس لديهم حس فكاهي، لكنهم عندما يجدون أنفسهم يضحكون في نهاية تجربة معينة فإنّ هذا يثير الريبة لديهم.. فاليوم مثلاً في الجانب التراجيدي يمكنناً أن نتحدث عن الجانب الكارثي لإعصار كاترينا في نيو أورلينز وساحل الخليج، أو أي جانب تراجيدي آخر، لكننا يمكن أن نجتمع ونخرج هذه الليلة لحضور حفل جاز بصحبة الأصدقاء ونقضي وقتاً مسلياً، نضحك ونشرب ونرفع الأنخاب لبعضنا متحدثين عن الحياة السعيدة.
كلنا نعرف بأننا مسورون بالتراجيديا والأكاذيب والتعذيب وكل أنواع الشرور، ومع ذلك تبقى الحياة مدهشة بالنسبة لهؤلاء الذين لا يتضررون، والكثير منا يحاول أن يخلق نوعاً من التوازن، وبالنسبة لي أنا أحاول أن أبقى مكافحاً، لا أريد أن أمضي يومي متباكياً، أريد أن يكون يومي سعيداً أيضاً.
لدي قصيدة في كتابي الأخير عنوانها (ضربة نظيفة) حيث فجأة تسقط قنبلة من السماء وتنفجر على بيت أحد الأشخاص، وجميع جيرانه يجيئون راكضين قائلين: ما الذي جرى بحق الجحيم، فيجيبهم صاحب المنزل المقصوف: لقد صوتت لهذا الرئيس، من المؤكد أنني لست المقصود.. لقد كان جميع هؤلاء الجيران يراجعون أفعالهم للتأكد بأنهم لم يفعلوا شيئاً يسبب مثل هذا القصف، وبعضهم كان يقول إن الأمر حدث بالخطأ، وهذا يحث في كل الأوقات. قد يكون الأمر كله خطأ في العنوان.. فحتى الرعب يبعث نوعاً من الفكاهة أحياناً.