قالَ اخفض صوتك وغبّش حرفك إن عيَّرتهم بما نهبوا وما سكتوا عنه وما أكلوهُ ناراً في بطونهم . قلتُ لا أقدر . قال اجعلها إذن خداً وعيناً . قلت لن أجعلها كذلك حتى لو جيء بأقمار الكون لتدورحولي . قال سينفضون من حولك ويتركونك وحيداً فتقعد ملوماً تالفاً تنام وتصحو على حيرةٍ ووحشةٍ . قلتُ سأرسم رغيفاً طازجاً فوق ورقةٍ بيضاء وآكلهُ وليذهبوا هم إلى الجحائم وموائد النطائح والمترديات وما ترك الغزاة من فوائض الفم والبطن .
قال وما دليلك ودالتك على ما صنعوا واقترفوا وأذنبوا وسمسروا ، قلت إن هؤلاء الدونيين الرخيصين لم يتركوا رذيلة ودونية ودنيئة وخيانة إلا ومارسوها من دون حتى بقايا شرف وضمير ودين وغيرة وشهامة ، وبنفس الوقت الذي حولوا فيه العراق الى أفسد دولة قائمة على وجه الأرض ، فإنهم يقومون بتمثيليات مضحكة مبكية غبية تافهة ، من أجل منع حفلة غنائية لمطرب مثلاً !!
قال زدني أيها الدرويش من الدليل دليلاً منيراً ، ومن القصيد بيتاً قنديلاً ، قلت الأوغاد لم يخترعوا دائرة واحدة مغلقة بيبانها على الحرامية فقط ، بل نجحوا نجاحاً مذهلاً في تكوين طبقة بشرية ضخمة جداً من الفاسدين والقتلة والمزورين والمرتشين والدمج والمخدرين والمضللين والجاهلين والأميين والخائنين الأمانة كلها ، وهذه الحشرات التي تمتص دماء الفقراء تجدها اليوم معلنة متبخترة تسفي على طول وعرض جسد البلاد ، فأنت تراهم أينما وليت وجهك ، في دوائر الخدمة العامة والخاصة والجيش والشرطة والميليشيات وقطاع الطرق والقضاء والتعليم والأدب والفن وما حولهما ، وصولاً إلى دار العبادة ومضيف العشيرة وما صنعت السماء والأرض من كل مقدس معصوم صيروه حاوية زبل عملاقة !!
قال لقد أوجعت قلبي أيها المظلوم المقهور ، قلت بل أبتغي أن أوجع عقلك كي تفهم وترى وتنهض وتخرج من كهفك المظلم الرطب ، حاملاً مكناسة بيمينك وشعلة وهاجة بشمالك ، حتى ساعة لا ينفعهم فيها صريخ ولا رجاء إلا من آب وبكى وندم وتيمم بتراب البلاد .