من ضمن اوليات النهوض الكروي المتطور كمنهجية علمية معتمدة في بقاع العالم المتحضر يكون اعداد الناشئة حتى المتقدمين بصورة متكاملة منسقة لا تقبل عبور أي مرحلة ولا تعتمد على الحظ والمصادفة .. فمن الاشبال الى الناشئين حتى الشباب والأولمبي ثم الوطني الذي تتكامل فيه كل المهارات الأساسية وتبلغ مستواها الاحترافي وإمكانية صناعة الفن والمتعة فضلا عن المال المنتظرة بل وأداء دور اجتماعي منتظر بعد ان اصبحت الرياضة عامة وكرة القدم خاصة احد اهم أساليب الحرب الناعمة في زمن العولمة ..
في العراق ومنذ عقود سابقة زادت سوء بعد 2003 غدت كرة القدم فيها مصالح شخصية تفرض على الأندية والمنتخبات وفقا لمفاهيم وقوى وأساليب سائدة … وتعد جزء من كينونة النظام السياسي والاجتماعي القائم الذي تتغلب وتسود فيه القوة بمختلف عناوينها على الكفاءة التي غدت اخر ما يمكن ان يلجا اليها في ظل هيمنة العلاقات والواسطات والاتوات والتجهيل حد التعمية .. لدرجة اصبحنا لا نميز بين اللاعب الشاب والخبرة بعد ان فقدت المعايير وضاعت المراحل العمرية وتلاشت القيم الكروية المعتمدة على العلم والخبرات والتجارب والقدوة الانموذجية في الميدان وخارجه ..
الكلام المسرد أعلاه ليس تهجمي ولا تقصدي ولا عبثي … اذ يمثل واقع مرير يعاني اهل الكرة المخلصين المستشعرين للالم فيه مما يسود من تراجع بالمستوى الفني العام الذي يشكل انعكاس ثابت للاخفاقات الإدارية والتخطيطية والرقابية والاستراتيجية والتمويلية … غير ذاك الكثير مما يعد هو السبب الأساس في تدهور تصنيف المنتخب وغياب الإنجازات التي لم نعد نراها ولا نسمع عنها الا نادرا وعبر الفئات العمرية التي لا تخضع للتصنيف الدولي ولا يقاس بها تطور ما بلغته الأمم رياضيا وكرويا بل حضاريا ..
عند متابعة دوري الكرة الممتاز وحتى بقية درجاته المختلفة اصبح من النادر رؤية موهبة كروية يمكن لها ان تسد نجوم الامس فضلا عن كونها تشكل حلقة يمكن البناء عليها في تحقيق الإنجاز وبلوغ كاس العالم وربما تصدير اللاعبين الى اوربا وبقية دوريات العالم .. اذ تغيب عن دورينا المواهب وتطبيق ابسط المهارات لدرجة اصبحنا لا نرى في مباريات ذروة الدوري تخميد او تسكين الكرة بشكل صحيح ومن النادر ان يتناقل فريق الكرة بين اللاعبين او يحوزها لثواني معينة .. وكلها وغيرها مؤشرات تدل على سوء الحال والفساد المستمكن في الواقع العراقي المؤسساتي العام وليس الكروي فحسب .
ونحن نعيش الذكرى الثانية لفقيد الكرة العراقية المرحوم احمد راضي صاحب الهدف الوحيد والعلامة الفارقة في تاريخ كرتنا العراقية لا بد لنا ان نستذكر امنيات ومشروع الكابتن الذي قدمه وساهمنا بكتابة فقراته وسيناريوهاته قبل وفاته بايام وهو يحاول تقديمه الى الحكومة وإقناع أصحاب الشأن بتأسيس مدرسة عراقية كروية احترافية علمية على غرار المستايا البرشلونية واسابير القطرية وغيرها من المدارس المتطورة .. وقد اسمى المشروع المدفون في ثراه .. ب (مونديال موورر .. ) .. الذي سالته حينها عن هدفه .. فقال : ( بلوغ كاس العالم والتواجد بشكل دائم فيها دليل على صحة النهج الكروي المعتمد .. ومن ثم صناعة اجيال متواصلة متكاملة حقيقية لا وهمية ولا فرضية ولا اسقاطية ) .. ولا هم يحزنون !!