عندما يظهر السياسي في مؤتمر صحفي أو مقابلة تلفزيونية بإحدى الفضائيات، فإنه من الذوق أن يُطلق تصريحاتٍ تحترم عقل الجمهور الذي يشاهده؛ فالتصريح الإعلامي هو أداةٌ لتمرير الأفكار ورسم المواقف لمعظم السياسيين، وليست وسيلة لجعل المتلقي أضحوكة للتصريحات الصدئة.
تحدث المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي عن 10 استراتيجيات إعلامية للتحكّم بالمجتمعات نفسياً، يراها البعض مهينة للشعوب، ومن بينها استراتيجية (خاطب العامة كأنهم أطفال)، من خلال استخدام خطابٍ دعائي سطحي، موجه لعامة الشعب، كما لو كان المشاهد طفلًا صغيراً أو معاقًا ذهنيا. وهذه الاستراتيجية معمول بها ــ بقصد أو دون قصد ــ في الكثير من تصريحات السياسيين العراقيين، فعلى سبيل المثال:في مقابله أجرتها احدى القنوات مع رئيس وزراء أسبق، كان السؤال عن هروب طارق الهاشمي، حينها قال عنه دولة الرئيس:
عندما سافر عبر المطار، وأمسكت به الاستخبارات، وأوقفوا الطيار، اتصلوا بي وقالوا لي ماذا نفعل؟ اتصلتُ بالقضاء وقلتُ لهم: هذا ــ يقصد طارق الهاشمي ــ يريد أن يسافر إلى أربيل، فهل أن السفر إلى أربيل يعتبر سفراً خارجياً أم داخلي؟ فقالوا: لا، داخلي، المنع للخارج. فقلت: دعوه يطير، وطار طارق الهاشمي ــ المطلوب للقضاء بتهمة الإرهاب ــ إلى أربيل ثم إلى تركيا!
وفي مقابلة تلفزيونية مع سماحة رجل السياسة والدين الهادئ، سأله المُقدم: كم رصيد العبد الفقير؟ فقال: ليس لي أي رصيد، وأنا مدين بمقدارٍ من المال، ولست موظفاً في دائرة حكومية! بينما إيجار مكتب سماحته يصل من 70- 100 مليون دينار عراقي سنوياً حسب تصريح أحد قيادييه!وحين أعلن محافظ البنك المركزي أمام البرلمان: إن سبعة مليارات دينار أُتلفت نتيجة تسرب مياه الأمطار إلى خزائن مصرف الرافدين عام 2013 ربما فاته أن يربط الحادثة بتصريح أمين بغداد حينذاك الذي عزا غرق الشوارع والأحياء إلى وجود صخرة وزنها 150 كغم تسبب بفيضانات العاصمة؟! والتصريح الذي لن يغيب عن ذاكرة الأجيال، ما قاله نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة: في نهاية عام 2013 فإن العراق سوف يصدر الطاقة الكهربائية إلى خارج البلاد، بينما كان العراق وقتها في أقسى حالات تردي الخدمة الكهربائية. وتصريح مثير للشفقة لرئيس وزراء أسبق أيضاً، قال فيه: من أسباب تردي الكهرباء هو أن بعض العراقيين يضعون أجهزة التبريد في الحمامات!
حين تذكرتُ هذه التصريحات، لا أعلم، لماذا تبادر إلى ذهني الخبر الذي نشرته إحدى صحف النظام المباد في نهاية التسعينات: (فقدان البطاقة التموينية باسم المواطن عدي صدام حسين الصادرة من وزارة التجارة العراقية وعلى من يعثر عليها تسليمها الى مقر اللجنة الاولمبية، أو إلى وزارة الأوقاف العراقية)!
وأدركت فعلاً أن السلطات عندما تتبول على الشعوب، تطلب من الإعلام أن يقنعهم بأنها تُمطر!