قبل الخوض في تفاصيل الأحداث, لابد من تسليط الضوء على المعالم البارزة في شخصية “أبو التكتك” قبل صدارته لمشهد الحراك, الذي نجح القائمون عليه في حرق النصف الآخر من العراق, بعد ان تم حرق أوله بفعل مظاهرات الغربية.
تلك التظاهرات التي كانت مقدمة لإستباحة داعش لبعض المدن العراقية، وعليه يمكن وصف أبو التكتك بأنه ذلك الشاب المراهق, الذي أضافت حرارة شمس بغداد لوجهه سمارا يفوق سمار بشرته, التي توحي بإنتماءه لمدن الجنوب, لتصبح بمثابة هويته التعريفية, فينعته الآخرون “بالشروكي” الذي لايجهد نفسه بالتكلف أثناء الحديث فتأتي مفرداته بعفويه.
“أبو التكتك” في نظر مادحيه من رعاة فوضى تشرين قبل إندلاعها, هو الشاب المتمرد على القانون, والذي شوه بحركاته البهلوانية, حضارة العاصمة ووجها المشرق.
هو السبب في اشمئزاز سكان الأحياء المترفة في العاصمة, لتسببه في زيادة الازدحامات المرورية ومصدر للضوضاء, فهو لا يراعي الذوق العام في استعمال المنبه, وصوت الكاسيت الذي يرقص على انغامه وسط الشارع, لذا فهو سبب في تذمر كرخ بغداد على سكان رصافتها, الذي ينتمي لهم “أبو التكتك” حيث ان مناطق شرق العاصمة تعد ملاذا للوافدين من مدن الجنوب, بحثا عن فرص العمل, والتي تعد حيازة التكتك عندهم, وسيلة متاحة لمئات الشباب الباحثين عن لقمة العيش.
عشية انطلاق المظاهرات في ساحة التحرير, ركز الإعلام على ظاهرة انتشار “التكتك” بين الجموع المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون.. وبما ان الحراك يتطلب حضورا يوميا من المشاركين, لإدامة الزخم البشري والمعنوي, كانت “التكتك” هي الوسيلة الأنسب من ناحية الأجرة, خصوصا في المناطق البعيدة عن موقع التظاهرات, والاسرع وصولا وسط التشدد والقيود, التي فرضتها القوات الأمنية وقطع الطرق وما شابه ذلك، يضاف إليه العفوية والنوايا الطيبة التي يحملها سائقيها, بتصديقهم وقناعتهم بأغلب الشعارات التي أطلقها الناشطون, عسى ان تكون سببا في إنتشالهم, من واقعهم المتردي على المستوى الخدماتي والاجتماعي, فحدث اندماج بين حملة النوايا الصادقة, والذي يشكل “أبو التكتك” نسبة كبيرة منهم, وبين أصحاب النوايا السيئة, الذين سرقوا الثورة ونجحوا في حرفها عن مسارها, لغايات لم يلتفت إليها أغلب المتابعون..
اغلب الذين بالغوا في صب الزيت على النار, ودفعوا بالشباب العزل إلى المحرقة, ليكونوا هدفا للقناصين, هم من المتنعمين بإمتيازات النظام السياسي, الذين رفعوا شعار تغييره.. وأغلبهم من ميسوري الحال, لكن المطالبة بالخدمات لم تكن هي الغاية بنظرهم, بل كانوا أدوات فاعلة لتنفيذ أجندات داخلية وخارجية, لنسف الواقع الجديد برمته, خصوصا بعد ان تحطمت مشاريع داعش والقاعدة, على صخرة الإرادة الصلبة, التي تمثلت بتفاعل العراقيون مع الفتوى, التي صدرت من النجف الاشرف عقب إجتياح داعش للمنطقة الغربية.
وسط هذا الصخب الإعلامي وكثرة الضحايا من المتظاهرين والقوات الأمنية, كان تنفيذ المخطط يجري بوتيرة متصاعدة, سخرت له جميع الامكانيات ومنها الشباب السذج, الذين ساهم الإعلام عن طريق المبالغة بمدحهم, ودفعهم إلى حرق كل ما يمت للنظام السياسي والدولة بصلة, ليسارع أولئك الفتية إلى الذوبان في إتون الفتنة, بصدور عارية فيلاقوا حتفهم برصاص مجهول المصدر الى هذا اليوم, في حين يكتفي الإعلام المسموم بالتنديد وبث مشاهد الحرق, ونقل العواجل لتصريحات بعض المغمورين اجتماعيا, لتجعل منهم رموزا لثورة رسمت حدودها فقط لبغداد ومدن الوسط والجنوب, واستهدفت بشعاراتها الطبقة السياسية الشيعية فقط, دون ان تشير بأصابع الاتهام للمتصدين للمشهد من العرب السنة والإكراد!
ما ان هدأت الأوضاع بإستقالة الحكومة, وحصلت بعض التغييرات في المناصب العليا للبلد, كانت حصة الأسد فيها لداعمي الثورة ومنظريها, من بعض الناشطين والاعلاميين الذين فعلوا وشرعوا لكثير من القرارات, التي تعالج مختلف السلبيات الحاصلة في بغداد, واهمها قضية الزحامات المرورية في بغداد, فكانت القرارات صارمة بمحاسبة المخالفين من “سواق التكتك” وفرض غرامات مالية عليهم, فهل يعقل أن الإعلامي الذي حرص على إدخال ” التكتك” إلى الاستوديو, وإستضافة بعض السواق في أحد حلقات برنامجه الداعم لحراك تشرين, ان يتناسى رفاق دربه في النظال المزعوم, بعد أن شعر بحلاوة المنصب الذي حصل عليه ثمنا لدماء الضحايا؟ بل هل يمكن إعتبار “أبو التكتك” مصداقا “للشروكي” الذي يحرق نفسه لينتفع غيره؟ وهل يمكن ربط ذلك بتضحيات أهالي الوسط والجنوب في الحرب العراقية الإيرانية, لأجل كرسي الحكم الذي تربعت عليه عائلة العوجه ولقيطها صدام؟