لماذا نصدق الأكاذيب ونلوكها كالجياع الذين يتوهمون شيئاً يحسبونه طعاماً يقيهم جوعاً ويقوي أجسامهم؟
في اليوم الثلاثين من يونيو يحتفل العراقيون بذكرى ثورة العشرين ــ أو هكذا يسمونها التي واجهت بها العشائر تمدد القوات البريطانية المحتلة في مناطقهم وخاصة في الريف وأطراف المدن ، فهي إنتفاضة عشائر وليست ثورة شعب ، وفي الوقت الذي كان الشيخ عبد الرحمن النقيب يؤسس لدولة فردية مع ممثلة حكومة صاحبة الجلالة . كان شيوخ العشائر يحملون بنادقهم العتيقة المصنعة أصلاً في المملكة المتحدة ويستحثون رعاياهم على مهاجمة الثكنات البريطانية وربما دمروا قطاراً يعرفه العراق للمرة الأولى في تاريخه.
كان النقيب يتفق مع المس بيل بينما العشائر تدفع الثمن ، وبينما تأسست حكومة الملك فيصل الأول كان شيوخ العشائر محاصرين ومنفيين وبعيدين عن المدينة التي كانت تظهر في المدينة وينتفع منها الأفندية والباشوات ، وبينما كان علماء النجف وكربلاء منفيين الى إيران ، وكان بعض الثوار مطاردين في سراديب النجف ، كان البعض في بغداد يحقق المكاسب تلو المكاسب بالإتفاق مع حكومة الإحتلال .
هي إنتفاضة عشائر أو لنقل ثورة عشائر عاضدها علماء دين وبعض المثقفين الذين كان في البلاد منهم القليل حينها ، وقد قمعت بشدة وكان من نتائجها تكريس الإحتلال البريطاني الذي أدى الى بعض المنجزات نحو صناعة المدينة وتأسيس لأحزاب وصحافة وتعبيد لطرق وبناء شبكة إتصالات ، وقطارات لم تكن معروفة من قبل إستمرت حتى إنقلاب العسكر الحمقى 1958 حين دمرت الحياة الدستورية بالكامل وبدأنا مرحلة الإنقلابات والفوضى والحزبية المقيتة والمستمرة الى هذه اللحظة .
لم تكن تلك الإنتفاضة شعبية كاملة ولم تشترك فيها قطاعات الشعب بالكامل في بلد لم تعرف فيه حركة ثقافية وفكر حديث وكان يرزح تحت سلطة الإحتلال العثماني القبيح الذي قسم العراق الى ثلاث ولايات تابعة للباب العالي ولا إرادة لها ، رغم أن السلطان العثماني كان نائباً لله بينما كان الأنجليز (كفاراً) أسسوا لحكومة عند أول دخولهم المقيت لبلد الحضارات (الخسارات) هي ثورة عشائر معها بعض المتدينين والوجهاء وإنتهت بإنكسار وخديعة ونفي وإنتقام.
من عادة العراقيين أن يتحدثوا عن العزة والشموخ والرفعة والقوة والهيبة والخشم العالي . لكنهم يتجاهلون إنهم ليسوا بحاجة الى هذه العناوين التي يتبجحون بها ،بل هم بحاجة ماسة لتحقيقها واقعاً من خلال توفير الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية وتقديم الخدمات العامة . فالغرب الأوربي يصنع العزة والشموخ والكرامة والرفعة من خلال القانون ، وإحترامه والإلتزام الكامل به والإفادة من الموارد والبرامج والخطط البعيدة ، بينما نصنع تلك المسميات في الهواء وتلوكها الألسن كذباً وزوراً ولا يتحقق منها في الواقع شيء أبداً.