قضية السلاح المنفلت او خارج سيطرة الدولة، تتكرر في الخطاب السياسي في المشهد العراقي على نحو دائم، وبصيغة دعائية غالباً. والسلاح المقصود أول وهلة هو ذلك الواقع تحت سيطرة العشائر التي تتقاتل فيما بينها في البصرة والجنوب لأتفه الأسباب، تحت عناوين الدكة العشائرية وسواها. كما تذهب بعض الطروحات الى القول انّ هناك مليشيات بيدها السلاح ولها نفوذ من خلاله، يكون أحيانا أقوى من سلطة الأجهزة الأمنية، لاسيما في البلدات الصغيرة التي يكون فيها تمثيل وزارة الداخلية او الدفاع قليلا عن نقاط محددة فقط.
لكن ذلك كله لا يقنع أحداً من الغائصين في الشأن العراق، إذ أن السلاح يمر انتشاره من مفاصل على صلة بالسلطات المختصة، ولا تتوافر آلية السؤال والتحقق حول إن كان السلاح سائباً، أو مقننا لأهداف أخرى أو تابعاً لسلطة مسؤول أو سياسي أو زعيم معين.
ولو جمعنا السلاح من ايدي حمايات النوّاب والمحافظين والسياسيين قبل الوزراء والرئاسات، لوجدنا انّ هناك جيشاً آخر غير الجيش الرسمي تحت عناوين الحمايات، وهذا أمر لا يخضع لتدقيق يتناسب مع الدعوات لحفظ الامن والاستقرار.
انَّ جمع السلاح السائب يحتاج الى خطة تنفذها الدولة بعد ان تعلن بشكل نهائي وتام الجهات المسماة بعناوينها التي يحق لها حمل السلاح وتداوله ونوعه وأماكن حيازته، وبعد ذلك يكون كل مَن لا يدخل تحت التصنيف المعلن من الدولة خارجاً على القانون. هذا المطلب صعب تنفيذه في العراق، لأنّ من السهولة الخلط بين العناوين المتصلة بالجيش والشرطة والحشد، والحمايات، والاحزاب، وسواها.
فضلا عن انّ الدولة الممثلة بالعملية السياسية اليوم لم تقدم أي برنامج عملي واجرائي لحصر السلاح بيد الدولة وسحبه من ايدي الناس، وان ذلك اجراء يحتاج الى ترغيب في البداية وليس اجراءاً تعسفياً في وضع كحال بلدنا المُبتلى.
يجب ان تحدد الأسلحة المسموح بحيازتها لأسباب مدنية، كما يجب ان تحدد أسباب انتقال وحدات أو فصائل بكامل سلاحها الثقيل من محافظة الى أخرى او داخل مناطق العاصمة بغداد، وأعرف مسبقاً الجواب الجاهز في انّ هذا اجراء معمول به، وهناك قيادة عمليات مشتركة، لكن لننظر الى كمية الخروقات، والعلاقات بين الأجهزة المعنية والسلطات المنفلتة وليس السلاح السائب فحسب، ذلك انه سلاح بيد مَن يتصرف على انه سلطة ثانية من منظوره في انّ الدولة لا راع لها ولا تحمي أحداً ولابدّ من بدائل ذاتية، كل كما يراها مناسباً