يقيناً أن كل ما ورد في القرآن الكريم لحكمة وموعظة ، فالشارع الحكيم منزه عن اللغو والعبث ، وبالقطع أن كل مكنونات الكتاب الحكيم تصلح لكل زمان ومكان ، لكن بعض سور وآيات القرأن الكريم ترسخ في ذاكرة العالِم المتخصص والجاهل الأمي ، ربما لمساسها بالحياة اليومية ، أو لورودها بأسلوب قصصي بسيط ، إذ يستهوي هذا الأسلوب الكافة ، وتدخل العبرة الواردة فيها الفؤاد والعقل دون استئذان أو حاجة للتلقين أو التفسير ، ومصداق ذلك سورة سيدنا يوسف ” عليه السلام ” ، لكن اللافت أن متخذ القرار في العراق يبدو أنه لم يقرأ هذه السورة ، أو قرأها دون التمعن بمضامينها ، أو فهم درسها لكنه وجد فيها ما يتعارض وتطلعاته الدنيوية فصّد عنها ، فقد مرت سنون ، وتعاقبت فصول ، وتتابعت رحلات صيف وشتاء ، فكانت جميعها خاويات من الطاقة والزاد ، فالفقراء في تزايد ، والبطالة في تصاعد ، والفساد في ارتفاع ، والنهب في تفشي ، والمال مهدور ضائع مهرب منهوب ، بعضه ذاهب لتنمية البلدان الأجنبية ، وآخر ضاع مع افلاس بعض المؤسسات المالية الإقليمية والعربية ، وثالث محجوز لوضع أصحابه في القائمة السوداء ، ومحطات الكهرباء عاجزة خالية من الطاقة ، ومخازن الغذاء تصول بها الحيوانات الضالة وتجول ، باحثة عن متبقٍ أو متروك ، وأرض السواد راحت تعبث بها العواصف الترابية ويجرفها الجفاف ، ونهري دجلة والفرات خواء دون مياه ، وليس الغرابة كلها فيما سلف ، فعديد البلدان كما العراق ، اجتاحها الفساد ، وتصدر مشهدها الفاسد ، وراحت أرضها مباحة ، وسمائها مشرعة ، وأرضها خواء ، ومالها منهوب ، لكن الغرابة كلها أن متخذ القرار يرى ويرقب ما آل اليه حال بعض البلدان الأكثر تطوراً بفعل الازمة الاوكرانية الروسية ، إذ راحت بريطانيا العظمى تقنن استهلاك الكهرباء ، وتعمل بالقطع المبرمج ، واعلنت فرنسا عن إطفاء أنوار شارع الشانزيليزيه في قادم الأيام ، وعادت ألمانيا والنمسا والعظمى بريطانيا لفتح مناجم الفحم عسى أن تجد فيها ما يعوض غاز الدب الروسي ، ومتخذ القرار عندنا مرة يؤمل بمحطات كهربائية تدخل الخدمة قريبا.
بلاد الأزمة
وحينما يضج العباد وتدخل البلاد الازمة بسبب شح الطاقة وندرة التجهيز ، يلقي باللائمة على إمدادات الغاز الواردة من بلدان الجوار ، وغازنا محروق ، ونفطنا مهرب ، وملياراتنا منهوبة مسروقة ، وربما أكثر ما يلفت النظر ، ويطرح التساؤل ، ويثير الاستغراب ، أن القائم على صوامع الحبوب ، ومخازن الغذاء ، ومذاخر الدواء مطمأن ساكن يركن للهدوء ، فلا بلدان يجوب ، ولا اتصالات يجري ، ولا عن خزين يبحث ، ربما لانه من القدريين الذين يؤمنون بأن للكون مدبر ، وأن رب كريم لن يترك حمل مطروح ، ولا عبد محتار ، ولا فقير جائع ، فأوكل أمره لله ، فما يعجز عنه العبد يترك لخالق قادر !!!! ويقيناً أن لا غرابة فيما نرى ، ولا عجب فيما نرقب ، فقد غابت الكهرباء عن العراق منذ العقد الأخير من القرن العشرين ، بفعل عبث الحاكم ورعونية القابض وتهور متخذ القرار ، وظل الحال قائم بعد التغيير ، مرة بتبرير نظرية المؤامرة ، وثانية بفعل الإرهاب ، وثالث نتيجة سوء الاستخدام والهدر المقصود ، وخوت صوامع الطعام ومذاخر الدواء مذ أعاد المقبور الفرع الى الأصل ، ومن شب على شيء شاب عليه ، إذ قبلت ذائقة الشعب أيام الراحل ، الرز التالف ، والطحين الذي يهص ، والسكر غير المقصور ، والنخالة التي خالطت الشعير ، فلم يعد ما يثير الاستغراب خواء البطاقة التموينية ، وغيابها في كثير من الأحيان ، أما مناظر الفقراء اللذين يفترشون الأرض بانتظار دواء مرض مزمن أو ورم خبيث ، فلم تعد تدمي القلب ، إذ أصبح المشهد معتاد ، والمأساة مقبولة ، والموت حق . على المتصدي بكافة مستوياته أن يعلم ويعي أن لصبر الشعب حدود ، ولتغاضيه آجال ، ولتسامحه مستويات ، فصبره على الإساءات عن قوة لا ضعف، وتغاضيه عن الفاسدين عن ترفع لا غفلة ، وتجاوزه عن الفاشلين عن معرفة لا جهل ، لكن غضبة الحليم تسقط ، وانفجاره يدوي ، ونفاذ صبره يغير ، وبالقطع أن في التذكير عبرة وعظة ، وربما كانت شارعة التصحيح تنصيب الأمين على خزائن قوت الشعب بتفرعاته ، فالأمين لا يخون ، ولنا في قصة سيادتنا يوسف عبرة وعظة .