منذُ كنتُ طفلاٌ وخطبةُ الجمعة تتحدّث عن فقهِ نواقضِ الوضوء، وحكم أكلِ الصائم من غيرِ عمدٍ في نهار رمضان،ومن فاتتهُ الصّلواتُ المكتوبة..إلخ، وكأنّ الإسلام الذّي جاء لتحطيمِ العقليّة الاستاتيكيّة القُرشيّة وتحويل أواخرَ القومِ أوائلَ كما يخبرُنا (فرانز فانون) ، ليتحوّل إلى شعيرةٍ ميكانيكية.. نتعطّرُ من أجلِ يوم الجمعة ونرتدي الجبّةَ الأرستقراطية وننصِتُ لإمامٍ يافعٍ لا يفقهُ إلاّ القليل ، مهمّتهُ هو المزيدُ من حشوِ الاستلابِ في جَماجمِ من يسمّون أنفسهم مسلمين..!
لذا من السّهل جدّا أن تخلُق أجساداً طيّعة مُتصالحة مع السّلطة التي تحكمُها كما يرى ( ميشيل فوكو) ،حيث يكفي منصّة معرفية تدكّ بها عقول الخانِعين بما هو قائم داخل أي مجتمع، لتخلقَ بذلك نوعاً من التّزييف على سلامةِ وأمانِ واقِعهم المشوّه .. هذا هو إسلامُ السّوق الذّي صنعوه ، إسلامُ اللّحية وخذ بيدي إلى الجّنة.. إسلامُ الذّاتِ على حسابِ المعنى.. !
لقد تحوّلتِ المساجدُ إلى مبانٍ مليئةٍ بالمؤمنين الكَسالى، المدجّجين بأفكارِ المرجئةِ وأحاديثِ قيامِ السّاعة …لا يزالُ الناس يتسامرون هناك مع نبوءاتِ عذاباتِ القبر والمسيحِ الدّجال والسّحر … وهم بذلك لا يزالون يعيشون خارجَ العالمِ النوعيّ وما يجري فيه .. و هذا ما تريدهُ السّلطة قديماً وحديثاً ، إسلامٌ طيّب رائع ، يأمرُ الناس بالصّبر ، وينتفضُ من أجل خمارٍ وحجابٍ ولحية ..! بينما أحلامُهم رغيفُ خبر ، ورأسُ مالهم حصيرةٌ تجلدُ ظهورَهم من القَيظِ والأذى..!