منذ أن انتهت امريكا من أمر هتلر وحلفائه، ووجدت أنّ هناك منطقة لا يمكن لمَن يريد أن يكون قطباً مهيمنا على العالم وثرواته وطرقه التجارية ، إلا بابتلاعها تماماً، وهي منطقة الشرق العربي التي تسمى على نحو خاطىء” بالشرق الاوسط ” وهي تسمية أطلقها مستعمروه ومغتصبو ثرواته والمفارقة اننا جميعا نرددها من دون وعي تاريخي بما فعلته بنا ولازالت، تلك التسمية وتداعياتها.
ابتلاع امريكا لبلداننا كان على اشكال مختلفة منها ما يسمى “بالشراكات الاستراتيجية” اي توفير الحماية لاستمرار نوع الحكم في بلداننا شرط أن يكون ثمن الحماية والبقاء هذا مرهوناً بطاعة كاملة من قبل الطرف الاخر المشرقي ، أو من خلال استعمار البلدان تحت راية الحق التاريخي وهذا ما حصل في احتلال فلسطين و زرع كيان لا يمت بصلة الى ثقافة المنطقة ولا تقاليدها ولا تاريخها وعادات شعوبها وهي “اسرائيل” التي تأسست ضمن رؤية وقيم غربية علمانية، وان اتخذت جزءا من سردية الدين اليهودي بوصلة لها
امريكا الشريك الذي يبعد الاف الاميال والقارات والبلدان من منطقتنا ،فهل يصدق البعض انها شريك متكافئ وحقيقي وصادق وحافظ للعهود والمواثيق؟!
فالشراكة عادة ما تكون مع أولي القُربى من بلدان مجاورة، ما يجمعها اكبر بكثير مما يفرقها مهما تناحرت وحاول بعضها فرض هيمنته الطائفية او العرقية او الاغلبية على الطرف الاخر، فالتاريخ المشترك والثقافة الشرقية المشتركة بموسيقاها ، بمطبخها وبعادات وتقاليد سكانها هي حلقات وصل وجغرافيا لايمكن لأية قوى في العالم من تغييرها وقلعها ، وتبقى مقاربة الحكمة هي من جنبت وستجنب الشعوب وحكامها مصائر كارثية وليس براعة الشراكات واسلحتها والتكنولوجيا المتطورة
تعددت أسماء رؤساء امريكا لكن هدف امريكا واحد ستراتيجي واضح لا حياد عنه، وأظنه ترامب كان برغم وقاحته، واضحا في ذلك الهدف الاستراتيجي الذي اعلن عنه وأشاح بشخصية لاعب القمار من ان امريكا لن تسمح لهذه الشعوب وبلدانها من الاستقرار، طالما لم تركع وتستسلم بشكل كامل بالدفع غير المشروط وايضا بالتصديق على شرعية وجود كيان استعماري تحت شعارات القانون الدولي ومكافحة الارهاب وقوانين حقوق الانسان
كلها شعارات، وأدوات وأسلحة بيد السيد الابيض الامريكي وهراواته في بلداننا
قالها أوباما قبل بايدن:” سنعيد للعراقيين بلادهم”، ولم يسأله أحد ومَن اعطاك الحق أساساً بتدنيس بلادنا، انت وجنودك والعراق يبعد عنك قارات والاف الاميال.
بايدن يقولها صراحة من انه جاء “ليصلح العالم ويشفيه “من خلال الوقوف بوجه اعداء اسرائيل ، ولكن هل سألنا انفسنا مَن هم الاعداء ؟ ولماذا تحولوا الى اعداء ؟ الم يشرعن القانون الدولي حق دفاع الشعوب عن أرضها وعرضها ؟
في كل زيارة لرئيس امريكي هناك دعوتان، دعوة ظاهرة لإصلاح العالم، ودعوة مخبأة في تقية البيت الابيض وهي المزيد من خراب المشرق العربي
امريكا وإسرائيل لن يسمحا لايران بامتلاك قوة نوية، فيما يسمح لإسرائيل بامتلاكها ضدنا لانها ” الاكثر ادمية وحضارة. ” بامتلاك هذه القوة المهلكة، و الحقيقة الواضحة لنا جميعا هي ان امريكا لا تسمح ولن لاي بلد مسلم وعربي تحديدا امتلاك العلم والتكنلوجيا الا وفق رؤيتها هي وبشرط امتلاك مفاتيح هذه التكنولوجيا واسرارها ومصانع اسلحتها التي لولا حروبنا التي يقتل فيها الاخ اخاه والجار جاره لبارت مصانع امريكا وغيرها
من البلدان التي في صميم عقيدتها، كراهية واحتقارالعرب وهذا ماتؤكده سردياتهم الغربية والمهينة في كل اعلامهم وجامعاتهم ومراكز بحوثهم
نعم امريكا تزور المنطقة، كما تفعل كل مرة وليس لديها قوات في منطقتنا كما تزعم. نعم، لأنّ ستراتيجية حروب الجيل الرابع هي ستراتيجية الحروب بوصفها حروبا تخوضها ” مكرهة”ولكن تلك الاستراتيجية لم تعد الحروب فيها احداثا تاريخية كي تتجنب فيها امريكا خسارة جنديا واحدا او طائرة واحدة ، بل انها تستثمر كما فعلت بالعراق في مواطنين تلك البلدان وصبر السنين ، سواء هؤلاء الرافضين لحكوماتهم الفاشلة او هؤلاء الذين غسلت أدمغتهم العولمة وحرية الابتذال هذه التي نعيش ، هؤلاء وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الخديعة الكبرى لنا جميعا ، لأنّها وسائل( الانفصال الاجتماعي والانسلاخ من مجتمعاتنا)
هؤلاء، هم الرتل الخامس والقوة التي تستثمر فيها امريكا في بلداننا وتمول اغلبها من منظمات عالمية تحت شعار “الدفاع عن حريات التعبير والتغيير” ، وبشكل بطيء وبهدوء ودون حروب مكلفة كما يصفها قادة الدفاع في محاضراتهم للجيش الامريكي ومنظوماته الامنية، وبخطوات مدروسة طويلة المدى قد تستغرق اعواما ، وبشكل حميد، اي سرطان الحرب لن يكون ” خبيثا”، بل حميدا لأنه لن يكلفهم. الكثير، سوف تخلق في كل بلد من بلدان المنطقة، بما يعرف بالمنطقة الامنة “،لهذه المجموعة العرقية الاثنية مرة، ومرة لهذه المجموعة الدينية والخ هذه المناطق الامنة التي لن تسيطر عليها” حكومة”العدو المركزية ” في بلداننا ، وتشديد عقوبات او حصار لتخلق امريكا من اعدائها دولا فاشلة وحينما تستيقظ الادارة الامريكية تشهد اعداءها يسقطون ميتين .
وهذا تماما ما حدث بعد عام ١٩٩١ مع العراق وما سيحدث مع بلدان اخرى، اذا استمرت فرقتنا، لتستمر الفوضى الخلاقة طالما لم ينفك عن التصديق أولئك الذين صدقوا انّ شراكة التكنولوجيا وستراتيجيتها بامكانها تجميل الحاضر وشراء المستقبل كله وابعاد شبح الحرب النووية واكاذيب المصالح ، طالما بقي هذا العصر ومخترعاته تمسك بها كلها اصابع السيد الابيض في وجه عبودية لا تنتهي الا بانتهاء اسطورة امريكا وعالم الاقطاب ونهضة شعوب المشرق العربي وقادتهم بصحوة رأس مالها الحكمة والاعتدال وقراءة التاريخ فكما قال الاولون اجعلوا التاريخ مستشاركم الحكيم، “فتاريخ كل أمة خط متصل، و قد يصعد الخط او يهبط ، و قد يدور حول نفسه أو ينحني و لكنه لا ينقطع” كما كان يرددها هيكل امام رؤسائه وجمهوره.