في غيبة السنوات التي مضت شهقت برحيله القسري من ظهيرة يوم عصيب من جمعه مباركة طبعت اثرها في نفسي بصبر واناة واحتفى بذكراه حتى جف ضرع الدمع في المآقي وأعتل القلب بالأوجاع وصدى الآه يملأ جوارحي.
ومضت السنين على هذا الحال وبقي أثره الطيب بائنا في الذاكرة مدغوماً بألم وحزن مس شغاف القلب مرهقاً متعباً مؤنساً مكلوماً بموته كئيباً لا تفارقني غربته من حياة الدنيا مؤمناً بأن الموت حق وحالة حتمية نهاية كل حي وهو الحقيقة المطلقة في هذه الحياة ولامفر منه فداهمتني الخطوب تيمماً بنداها من صباح مبكر أغتسل بماء طهور من مساء موحش قبل ان استقبل قبلة الصلاة والمصائب والاتراح زادت ضراوتها حين رأيت قبره امام ناظري فهرعت اعدو مسرعاً نحوه التقط انفاسي المضطربة بصعوبة جمه . أحدق بعيون بللها الدمع السخي وأتعبها البكاء الضار مشدوهاً بطيبة الذي يسكن اللحد .. فلامست نسيم الفجر يلفح وجهي المجعد بالازمات من عيد الاضحى يؤم فيه الحجيج لعرفه متهيئاً لأحتضان مرقدة متوسماً بعناء السفر وغيثاءه .. جاهداً في الوصول الى مستقرة باصراً أياه بعيون فقدت نظارتها بفعل الزمن الذي مر كالنسيم يحمل أطيابه وآلامه توشحت بأيات من الذكر الحكيم لعلي اجد فيها راحة للنفس وسكينة للقلب المعلول أبحث عن الذين يتساءلون الناس الحافاً حاملاً بيدي المرتعشتين المصحف الشريف أتلومنه بصوت خافت بعض القراءات السبعة معرجاً الى آيات من سورة ياسين بغصة يعصرني ألم يملأ جوانحي التي طرقت أبوابها لواعج تهزني أعطافها وأثره الطيب يقبع في دواخل نفسي اللوامة . كان مبرءاً من عيوب الدنيا التي ركبت غيره ولم يستقل هودجها وهو يعاني شظف العيش والعوز والحاجة والضنك .. لايبغي من دنياه غير رغبة في سد حاجاته اليومية بعد ان تكالبت عليه أهوالها وكان الرضا في أحسن الاحوال فأرى طيفه يأسرني في لحظات وهن الجسد والروح والقلب حتى اذا ضاقت علينا الدنيا بما رحبت شعرت حينها بالملل والضجر والسأم في ايام صعاب متقده بلهيب الفراق ولا تخبو جمراتها تحت رماد العذاب ..
فجئت بصحبة اهلة مقبلاً غير مدبر لأم ضريحه المسجى في ارض طيبة خصبة بأجداث الذين غادرونا تباعاً في أواقيتها من غير ميعاد .. متوعكاً في فجر مدلهماً بالسكون والظلمة .. أيقظ مواجعي المخبوئة بين الضلوع التي لازمت قلبي الواجف بجروح لم تلتئم طيله اعوام خلت من رحاب رحيله التراجيدي من زمن كظيم مس شغاف الروح حتى ترقرق الدمع في العيون السابلة اجفانها ودعجها البكاء المر تضللها رموش الماضي الكئيب في رغبة ملحة لزيارة مقدسة لقبور رحل أبناءها دونما عودة ووداع .. فرجعت قافلاً العودة الى الديار حاملا أزاميل الحزن الشفيف بعد ان ودعته في أمانه الله في رفقة أموات من ابناء وطن لاينفك يبكي أمواته وجراحاته وأتراحه ونكباته وتسلل النعاس الى العيون الراجفة والمتعبة بقصر البصر قهرها السهد في ليال موحشة مظلمة بلياليها ودخاخين صباحاتها تملأ اركان النفوس التي أزكمتها روائح البارود في اقتتال الأخوة الأعداء فساورتني وساوس مقبوضة بالغربة والهجران تركت آثارها في ارض موات في رغبة بالقنوت لنفس موهومة بالبترم والخسران