وأنا اتابع كما الأغلب الأعم من الشعب العراقي ، مجريات حسم ملف رئاستي الجمهورية والوزراء ، بعد أن طال الانتظار ، وتعسرت الولادة ، وتعددت الروايات ، وبدأت الانسحابات ، وحُبست الأنفاس ، وانتظر الباحثون عن العمل والمترقبون الفرج ، وتحسب وتهيأ وتهيب رجال المال والأعمال بانتظار تبيّن الخيط الأبيض من الأسود ، بان أمل جديد ، وذاع خبر متفائل ، وتناقل المترقبون نبأ التوافق على اختيار الرئاستين قبل أو بعد العيد الكبير ، كي يكون العيد عيدين ، عيد لمن تشرف بالحرم المكي والنبوي الشريفين ، وعيد الخروج من أزمة كادت تودي بالنظام السياسي المترنح أصلاً ، استذكرت وأنا أسمع كما الآخرين موعد العيد القبلي أو البعدي ، تاريخاً للولادة المتعسرة ، استذكرت قصة طريفة رواها لي أحد الأصدقاء أيام الدراسة الأولية ، حيث كان يدرس الطب في جامعة الكوفة ، إذ كان يؤدي الامتحان العملي في مادة النسائية ، حيث طرح عليه أستاذه سؤال الاختبار ، فبادر هو بدوره لطرح عدة أسئلة على المريضة وكانت مصرية الجنسية صعيدية الولادة والتنشئة ، متى كانت ولادتك الأخيرة ، فأجابت قبل العيد الكبير بيومين ، وكان وقت الإجابة دقيقة واحدة ، فراح زميلي يحسب متى العيد الكبير بالشهر الميلادي ، ثم حسب يومين قبله ، وقسّم حسابه على الاشهر والأيام ، فعرف الاجابة ، واذا بأستاذه الممتحن قد تجاوزه ممتحناً خمسة طلاب وأشّر على أسم صاحبي دور ثاني ، فترجى أستاذه طالباً المحاولة بسؤال ثاني ، فأجابه أن عقارب الساعة لا تعود للخلف ، مريضك جاهل ، وتشخيصك تأخر ، والوقت مضى ، اتعض من التجربة ، واعلم أن الفرصة لا تتكرر وحضك حسن بفرصة أخرى فغيرك فاتته الفرصة فأصبح ماض . لقد مضت أشهر طوال على اعلان نتائج الانتخابات ، تخللتها تظاهرات ولافتات وتنديدات وانسحابات .
دخان ابيض
والشعب يترقب خروج الدخان الأبيض أو تبين الخيط الأبيض ، والأمراض تتفشى والأوبئة تنتشر والجوائح تفتك والكساد يسود والبطالة تتصاعد والفقر يتزايد ، مرت أشهر عجاف والعاطل عن العامل يترقب الموازنة ، والأجير والمتعاقد ينتظر التثبيت ، ومن نفّذ عمل يقف على أبواب المؤسسات الرسمية ينتظر السداد بعد أن نفّذ وأوفى ، ويخرج من الساسة من يُعلن ستتشكل الحكومة ، فيجيبه ناقم متضرر ، لا لن تتشكل ، فيرد ثالث لا ستتشكل ولكن بعد حين ، والشعب يترقب والخدمات في تراجع ونذر الأمن تدق ناقوس الخطر ، مر عيد رأس السنة ، ثم عيد الجيش ، تبعه عيد الشرطة ، وعيد نوروز ثم عيد القيامة فعيد البرونايا وعيد الشكر وانقضى عيد الفطر والأضحى وسيهل قريباً علينا شهر الاحزان ، وتباشير تشكيل الحكومة لا تزال تنتظر التوافق على الرئيسين ، وكل مكون يعلق اختيار رئيسه على الآخر ، المكون الكوردي يُعلن أنه بات قاب قوسين من التوافق على مرشحه ، والمتحدث باسم الإطار التنسيقي يعلن أن الإطار أدنى من ذلك في أختيار من يتولى سدة السلطة ، وكلاهما لم يبلغ قاب القوسين ولا الأدنى منه . لقد مَنَ الله على العراق بالناصح والناجح والقادر والنزيه ، وحاباه بالمرقد والمعبد والكنيسة ، وأعطاه النهر والممتد والطبيعة والثروة ، وميزه بالبشر والتنوع والتعدد والتعايش ، ومنح شعبه القدرة على التحمل والتجاوز والتسامح والتطلع لغد أفضل ، لكن هذا المعطاء الكريم المتسامح المفضال ، له وجه آخر حينما يجّد الجد ويأزف الموعد وينفذ الصبر ويدق جرس التغيير ، فيطيح برؤوس ، ويهلك ملوك ويستخلف آخرين ، ودون شك أن لك تغيير ثمن ، ولك استبدال ضريبة ، ولك تنصيب مقابل ولك حال ومآل نتائج وإفرازات وانعكاسات ، بعضها إيجابي وآخر سلبي ، ولم يعد العراق وشعبه يحتمل التجريب والتغريب والتغيير ، فالوقت يمر والأجيال تتوالى والأوطان تبنى والثروة الى نفاذ ، ومن تفته فرصة العيد قد لا يبلغه العيد التالي ، لينصب ويختار ويشكل ويمضي في تقديم الخدمة وبناء الوطن وتنمية الثروة وخدمة الشعب ، فالشعب مصنع الحكام وبناة الأوطان وثروته التي لا تنضب ، وهو الباق وحكامه الى زوال ، وسعيد من اتعض بغيره .