بقلم | الكاتب ناجح صالح

 

حينما تحين ساعة الفراق فانها ساعة أقسى ما تكون على النفس , سواء كان الفراق فراق صديق أو أخ أو ابن أو زوجة , فكيف اذا كان الفراق طويل الأمد ؟

يخيل لنا حينما نبتعد عمن لهم حظوة في قلوبنا اننا قد لا نراهم ثانية لاسيما اذا كان هذا البعد لمسافات فاصلة تتجاوز حدودا وأوطانا .

ان الحزن قد يخيم علينا حينها سنين تكلفنا الكثير من الآهات والدموع والجروح , انه لن تبرح ذاكرتنا وقتئذ كل الأمكنة التي كنا فيها مع من افترقنا عنهم .

حينما تألف شخصا وتحبه فليس من اليسير أن تنسى ذكرياتك معه وان ساعة الوداع ستكون أشبه بعاصفة تقوض مضجعك .

جاء في مطلع قصيدة ابن زريق البغدادي :

ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة واني لا أودعه

انها امرأته التي فارقها , الفراق الذي لم يحظ بعد في رؤيتها حتى حين وفاته غريبا بائسا في أرض مصر .

نحن نقف مشدوهين حقا كلما طالعتنا صفحة جديدة ممن فارقوا أوطانهم على مضض وعلى غير اختيار منهم ليفارقوا الأحبة ولتكون حياتهم على أحر من الجمر وهم تحت وطأة الشعور بالمرارة بل الصدمة لما يقاسونه من فزع داخلي وكوابيس تطاردهم .

ان من يفارق أسرة اعتاد أن ينضوي تحت خيمتها التي يغمرها دفء الحب , من الصعب عليه أن تغادر ذكراها عقله وقلبه كل يوم بل كل ساعة .

أجل ان المرء أسير لما اعتاد عليه فان كان فراق الأحبة يثير جروحه ففراق الوطن يبكيه ويدميه , ذلك أن كل نسمة من نسمات وطنه تناديه , وأن كل خطوة يخطوها على أرضه تثير فيه الشوق والحنين , وأن الحلم الذي كان يحلمه هو أحلى من الواقع الذي يحياه بعيدا عنه .

ان مشهد الفراق وحده يرسم لك صورة الهواجس التي تنتابنا ساعتئذ , انه المشهد الذي تتذمر فيه الحواس ومعها كل المشاعر التي تخالجنا بصدقها ومدى ما تحمله من آلام , انها ليست ساعة ضعف بقدر ما هي ردة فعل طبيعية للمشهد ذاته .

انها ساعة وداع ما أحرجها ! وساعة فراق ما أشقها !

هل يا ترى يحالفك الحظ للعودة يوما ؟ وكيف هو الغد الذي ينتظرك في أرض الغربة ؟ وهل من الممكن أن ترى تلك الوجوه ثانية في يوم من الأيام التي يصعب فيها التكهن بوقوعه ؟أليست المسألة كلها ستكون لها حساباتها المعقدة وسط أجواء تتخللها الحيرة والدهشة ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *