بقلم | الكاتب نصير جبرين

 

عندما تهدم الجدران يمكن إعادة بنائها في زمن محدد، طال أم قصر، ولكن عندما يهدم الإنسان فنحن نحتاج إلى أجيال كاملة لإعادة البناء شرط أن لا يكون المتهدم هو الذي يقود إعادة البناء.. يبدو أن الولايات المتحدة ومن ساعدها على تدمير العراق عندما اختارت حكاما علينا حرصت على أن يمتلك هؤلاء الحكام صفة أساسية واحدة وهي قلة الحياء. وأتبعتهم بأناس من الداخل يتصفون بالصفة نفسها، والتحق بهؤلاء أناس آخرون أيضا كانوا يتصفون بقلة الحياء.

وقد حرص هؤلاء على قتل الحياء في الناس كي يديموا وجودهم كأي سلطة طغيان فاسدة عرفت في التاريخ. حتى بات أهل الحياء يعيشون في مجتمعاتنا كما الغرباء. وهذا من العوامل التي أشرت سببا من أسباب انحدار القيم الأخلاقية في التعاملات اليومية وفي النظر إلى الأمور، وفي حلول البلاء بيننا.

إن الحياء شعبة من الإيمان، بل هو الإيمان جله؛ فرسولنا الكريم محمد (ص) يقول: إن الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر.. لا بل إنه (ص) قرن الأخلاق الإسلامية برمتها بالحياء فقال: إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء. وآمن المسلمون الأوائل أن رأس مكارم الأخلاق الحياء.

والحياء أن يستحي الإنسان من خالقه أولا ونفسه ثانيا؛ وفي هذا يقول الإمام علي (ع): إن غاية الحياء أن يستحي الإنسان من نفسه.. ونقل عن الحكماء: إن من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر..

وقديما عرّفت الفلسفة بأنها التشبه بالله على قدر الطاقة الإنسانية، وعليه فإن الحياء على الحقيقة إنما هو تشبه بصفة من صفات الله جل وعلا. وفي هذا

فإذا عرضنا مثل هذه المقولات المباركة عن الحياء على ما يجري من أفعال في مجتمعنا فإننا بلا شك نصاب بخيبة أمل كبرى. ذلك لأن التدين الرائج الذي ينطوي على الكثير من النفاق والنفعية والجهل لم يزرع أي قدر من الحياء لدى الإنسان، وبالتالي يصبح لزاما على المؤسسات التربوية والتعليمية أن تتكفل بهذه المهمة المقدسة. لكن مؤسساتنا بواقع حالها أكثر عجزا من أن تقوم بذلك. وهنا تصبوا العيون إلى القانون؛ لأن أكثر القوانين تقدما هو ما كانت مخرجاته تتفق مع قواعد الأخلاق المطلوبة في المجتمع.. لكن سلطة القانون وأهلها في مجتمعنا جسدت وتجسد فرصة (لقلة الحياء) لا لترسيخ الحياء في نفوس الناس، وذلك إثر انحراف هذه السلطة، بالشكل الذي أصبح واجبا مقدسا على جميع من يتخلق بالحياء حل مثل هذه المعضلة عن طريق تغيير من نصّبوا (أمناء) على أمر هذا البلد وأهله، وهم أكثر الناس بعدا عن الحياء. وقد صاروا لذلك أكثر الناس بغضا من الله سبحانه وتعالى ومن الناس على حد سواء. وهذا ما يعبر عنه الحديث النبوي الشريف: إذا أبغض الله عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا بغيضا مبغضا.. وﻻ يسعنا في آخر الكلام إلا القول إنه قد بات صادقا قول الحكماء علينا: إذا ذهب الحياء حل البلاء..

 

 

 

 

 عن الكاتب…

المحامي نصير جبرين

بكالوريوس قانون جامعة الكوفة

طالب دراسات عليا

دبلوم الأكاديمية الكندية

حاصل على شهادة مركز التحكيم الأفروآسيوي

حاصل على شهادة مركز الأمم للتحكيم الدولي

اللغات- التركية- الإنكليزية

مستشار وخبير قانوني

خبير قضائي

عضو اتحاد الحقوقيين العراقيين

عضو جمعية حقوق الإنسان في العراق

نشرت له العديد من المقالات السياسية والاجتماعية والثقافية في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *