القارئ عامة _ ولاسيما الأكاديمي _ ما يزال يقرأ النصوص الشعرية على غرار القراءة العباسية في أحسن الأحوال، أي قراءة لغوية تاريخية تهتم باللغة اهتماماً نحوياً معجمياً ( لا اهتماماً بنيوياً دلالياً ) كما تهتم بالمناسبة والموضوع والبراعة في عرضه وتنميقه وتغيب عن هذا القارئ أوليات في التعامل مع الشعر والأثر الفني عامة. منها مثلاً أن كل نص فني يقدم مستويين: مستوى إخباري مباشر، ومستوى إشاري غير مباشر هو ما تزخر به اللغة الشعرية فيما وراء المؤدى المباشر، ويكوّن نظام العلاقات الدلالية و الإيقاعية في النص. وطبيعي أن الأسبقية في النثر العادي الوظيفي هي للمستوى المباشر أو الإخباري، بينما تكون الأسبقية في النص الشعري للمستوى الثاني.
وربما كان المضمون الإخباري ( أو الموضوع ) في النص مجرد مناسبة تحريضية أو ((صقالة)) للمشروع الفني. والمستوى الإخباري يبقى أكثر ارتباطاً بالمناسبة التاريخية بينما يفلت المستوى الثاني من المناسبة والظرف المحدد ويمتلك القدرة على البث المتجدد، بحيث يخاطب أجيالا عديدة. وبين المستويين علاقة تفاعل وإضاءة. والمستوى الثاني هو الذي ينتشل المستوى الأول من النثرية وهو بالتالي جوهر العملية الفنية.
فإذا حصرنا النص الشعري في مستواه الأول، أو إذا التمسنا هذا المستوى دون أن يضيئه المستوى الثاني، أو مررنا بالمستوى الثاني مروراً تأويلياً أو جاهلا، فعرضنا النص على معاير القرائن التقليدية، واقتصرنا على الدلالات الاصطلاحية القاموسية للمفردات قتلنا روح النص وتشبثنا بثيابه العارضة.

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *