اتحدث هنا عن مرض مرادف لفقر الدم ، له أعراضه التي لاتخفى ، وله اسباب انتشاره الموسمية بعد كل انتخابات وقبيل تشكيل الحكومة ، او بعد كل انقلاب على سلطة واستلام شؤون الدولة .
حتى اليوم نسي العرب ابطالهم وانبياءهم ومفكريهم ، ولم ينسوا شخصاً اسمه سوار الذهب ، لم يكتشف الذهب الجاذبية ولم ينقذ يونس من جوف الحوت ، ولم يصنع الاسبرين ، انه فقط ، حصل على السلطة في دولةٍ عرب – اسلامية وتنازل عنها!
هذه المعجزة التي حولت سوار الذهب من رئيس زاهد برئاسة السودان الى ولي من الاولياء الصالحين ، ميزتها ندرة شبيه ما فعله في تاريخنا ، فقد ظلت صورة ( المنصب) متوقفة في ذهن العربي من زمن الاباطرة الجبارين الاوائل الذين لاتغرب الشمس عن سلطانهم ، وبقي المنصب لدى المسلم صورة مصغرة عن صلاحية الله الذي لم يكن له كفو احد،
واذا ما صعد سيادته على سلالم الديمقراطية ، لزَقَ على سطوحها او دار دورة المنصب في الطبيعة ليعود الينا بمشروع اخر لاصلاح ماخرّبه بنفسه بعد اعلانه عن عدم رضاه عن نفسه وعما فعله بنا.
وفقر المنصب قبل ان يصبح مرضا كالشقيقة أو الصرع ، كانت اعراضه محيره وغامضة حتى تكشفت اخيرا، فتجد المصاب به ، مرة ينظرّ للسلطة والدولة والاقتصاد ، راهبأ زاهدا عابدا ، محاطا بالتلاميذ، او تجده مسلحا متوترا،لايعرف لماذا يختلف ولماذا يتفق. او تجده سائحا في بلاد الله الاخرى ، يجتمع بالجاليات والشيوخ الجوّالين،ويتآمر على غرمائه في المناصب الجارية ،
لكنه ما ان يتم توزيع الغنائم حتى تراه خفيفا راكضا ،يقبل بالامارة ولو على حجارة .
بعض المصابين بفقر المنصب لايعالجون بتسنمه ، لان كل منصب هناك ماهو اعلى منه ، وقد يبدا مبكرا بالوراثة الملكية او الوراثة الدينية او الوراثة الدكتاتورية او الوراثة ( الديمقراطية) ، وما يصحبه من اشارات ومشاركات واستدراج للعواطف والغزل السياسي بشقّيه الشعاراتي والشعائري مما يغوي رؤساء الكتل ليقعوا في حب المريض فيرسلو بركاتهم لتشفيه.
لكن اخطر انواع مرض فقر المنصب شفانا الله منه ، تلك التي يتوق المريض به الى منصب محدد وليس غيره ، حيث لاتشفيه فصائل المناصب الاخرى ومانحوها قاطبة، حتى لو دخل مرحلة العنوسة، او كتب في تحليل التاريخ ، والنقد الشعري والسرد السياسي ، والتحقت مؤلفاته بحملة الاصدارات التي يطالعنا بها سياسيو العصر بعد تجريبهم بنا ،في فهم الدولة وكيفية بنائها على احسن مايرام!!!.