يتشابه الدكتور علي الوردي والدكتور علي شريعتي في توصيفهما المعرفي ومنهجهما ومنطقة اشتغالهما، لكنهما يختلفان اختلافاً جوهرياً في الدوافع والأهداف، فقد كانا مفكرين اجتماعيين ايديولوجيين، وليسا عالمي اجتماع، وكلاهما استخدم منهجيات علم الاجتماع الغربي، وكلاهما استخدم الاسلوب الانتقائي للحالات الاجتماعية الدينية الخاصة، فيعممانها ويطلقان عليها توصيف الظاهرة الاجتماعية الدينية، وكلاهما اشتغل على منطقة الوعي الشيعي الاجتماعي الديني.
لكن؛ جهود الوردي انطلقت من دوافع فكرية ايديولوجية علمانية، تقوم على قاعدة نزع ثقة الشيعة بنظامهم الاجتماعي الديني، وبث الفكر الاجتماعي العلماني بديلاً، أي أنه كان يهدف من وراء اشتغاله على منطقة الوعي الشيعي الاجتماعي الديني، الى حرف هذا الوعي باتجاه لاديني، زعماً منه بأن سبب تخلف الوعي الاجتماعي الشيعي يعود الى كونه وعي ديني، وان هذا الوعي هو عبارة عن شوائب، ما يجعل علي الوردي أحد مؤسسي منهجية ((تشكيل الوعي الشيعي المعاصر المضاد للذات))، والتي تحدثت عنها تفصيلاً في دراساتي عن موضوع الهوية.
هذه المنهجية العلمانية (الوردية) المخاصمة، ساهمت في دفع جزء كبير من شيعة العراق نحو الدونية وعدم الثقة بالنفس وبالهوية وبالنظام الاجتماعي الديني الشيعي. فهو في إطارها يستخدم أسلوب القياس الناقص للواقع الاجتماعي في تقويم الظواهر الاجتماعية الدينية، وليس منهج الاستقراء، ليقنع القارئ بطريقة ملتوية مزيفة باستنتاجاته العامة المبنية على حالات خاصة، وهو خطأ فاحش حتى في معايير علم الاجتماع الغربي، لأن الظاهرة كالعادة الاجتماعية، تستند الى معايير الاطراد والشمول، وهو ما لايتوافر في الحالات الاجتماعية الدينية المنتقاة التي يستخدمها الوردي في تحليله الاجتماعي، وهدفه من وراء ذلك تشويه صورة الواقع الديني، كمقدمة لدفع النخبة نحو بديله العلماني، وهو بذلك يبث أفكاره المخاصمة بذريعة البحث العلمي. وربما لايوجد مفكر اجتماعي شيعي منحاز ضد هويته الدينية الاجتماعية كالدكتور علي الوردي. وبالتالي؛ فإن المشكلة مع الوردي مشكلة شاملة، لا تقتصر على سوء المنهج، بل سوء الدوافع والأهداف.
بينما انطلق شريعتي في جهوده الفكرية من دوافع ايديولوجيه دينية، تقوم على قاعدة تنقية الوعي الاجتماعي الديني من الشوائب، وتركيز التشيع الأصيل (وفق توصيفه) أو الدين الحقيقي ( الذي يعدًه التوصيف المطابق للتشيع الأصيل) في هذا الوعي، وبلورة النهضة الاجتماعية على أساس الدين، خياراً حصرياً، وليس الفكر العلماني أو الماركسي أو السلطاني، أي أن اشتغالات شريعتي كانت في إطار الإصلاح الديني والاستنهاض الاجتماعي الديني، وليس تخريب الدين أو استعارة عامل للنهوض، بديل عن الدين.
وبالتالي؛ فإن المشكلة مع شريعتي ليست مشكلة شاملة، ولا تتصل بالدوافع والأهداف، وإنما تقتصر على الوسائل والأساليب، وتحديداً ما يتعلق بمنهجية الإصلاح الديني ونوعية الخطاب الديني النهضوي، وتشخيص الشوائب وتوصيفها وأسبابها وأساليب علاجها، وما إذا كانت شوائب فعلاً، وبالأخص إذا كان تشخيصها بحاجة الى تخصصات فقهية ورجالية وحديثية وتاريخية دقيقة، وهي تخصصات خاض فيها شريعتي بشكل عشوائي دون أن يكون لديه تخصصاً فيها، فضلاً عن هَوَسه بالمنهج اللوثري البروتستانتي في إصلاح التشيع ومؤسسته الدينية ومجتمعه. ولذلك؛ فهو في المقدار الذي فشل فيه فشلاً ذريعاً وأخطأ أخطاء فاحشة في مجال الاصلاح الديني المؤسسي والعلمي التخصصي؛ فإنه نجح نجاحاً باهراً في تركيز الوعي الاجتماعي الديني النهضوي والهوية الشيعية العصرية لدى فئات واسعة من الشباب، حتى غير المتدينين.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *