لايمكن قياس حالة المفكر الاجتماعي الإيراني علي شريعتي، بحالة الفقهاء والمفكرين الإسلاميين المتخصصين المجددين، الذين تسببت بعض أفكارهم الإبداعية في انحراف جزء من المجتمع، نتيجة سوء فهم المجتمع لتلك الأفكار، وليس كما يعتقد بعض المتخصصين بأن شريعتي – هو الآخر – لايتحمل مسؤولية انحراف بعض من تأثر بأفكاره، حاله حال الأئمة والفقهاء والمراجع الذين لايتحملون مسؤولية انحراف بعض اتباعهم. وهذا القياس غير صحيح، لأن شريعتي ليس إماماً ولا مرجعاً دينياً ولافقيهاً ولامفكراً إسلامياً متخصصاً، بل هو مفكر اجتماعي، له مساحاته الخاصة، التي أبدع فيها، لكنه تجاوزها الى قضايا العقيدة والفقه والحديث، وهي خارج اختصاصه؛ فتعثر فيها وأرتكب أخطاء نوعية، وإن كان حسن النية، وقد تأثر بمنهجيته هده عدد كبير من الشباب.
ولذلك؛ يتحمل الدكتور شريعتي جزءاً أساساً من مسؤولية انحراف من تأثر به في قضايا العقيدة وغيرها من المجالات العلمية الدينية التي أقحم نفسه فيها، لأنه فتح تغرات واسعة في جدار الوعي الحقيقي بالإسلام، حين طرح وعياً أحادياً بالإسلام والتشيع، وليس الوعي الشمولي الحقيقي، فقد طرح الإسلام بوصفه دين العدالة الاجتماعية والتحرر والثورة ضد الاستبداد والطبقة الرأسمالية والخرافة الدينية، وليس دين العقيدة والشريعة والفقه، وذلك انسجاماً مع ما يسميه بايديولوجيا (الاشتراكية المؤمنة) التي ينتمي اليها، الأمر الذي سمح لكثير من الشباب المتدينين المتأثرين به، أن يتحولوا الى مفتين وعلماء عقيدة، بحسب مزاجهم واستحساناتهم، بعيداً عن الدليل الشرعي وعن الفقهاء والمؤسسة الدينية.
وهذا المنهج يختلف اختلافا جذرياً عن الممارسة الاجتهادية الفقهية التجديدية أو الممارسة العلمية الكلامية لأصحاب الاختصاص من فقهاء وعلماء كلام ومفكرين إسلاميين، واعين بمصلحة الأمة وحاجاتها، والذين تصدر عنهم آراء وأفكار وأحكام تخصصية أيضاً، وإن أخطأ بعضهم في جزء منها من وجهة نظر فقهاء ومفكرين إسلاميين آخرين؛ إذ أن هذه الممارسة هي ممارسة علمية صحيحة، بمقدماتها ومناهجها ونتائجها، كونها تستند الى مصادر التشريع الأصلية، والمداخل العلمية التخصصية، ولا تصدر بدافع المزاج والاستحسان، وصولاً الى استسهال إصدار الفتوى بدون علم، وقراءة الأصل العقدي دون تخصص. ولذلك؛ فإن انحراف بعض جمهور المراجع والفقهاء والمفكرين الإسلاميين المتخصصين؛ لايتحمل مسؤوليته هؤلاء، لأنه ناتج عن الفهم الخاطئ للجمهور لآرائهم، وليس لخطأ في مقدماتهم ومناهجهم ومداخلهم العلمية.
أما علي شريعتي فقد أصدر آراء في العقيدة والفقه والحديث، معتمداً القول بالرأي والاستحسان، دون أن يكون فقيهاً أو عالم كلام أو عالماً بالرجال ودراية الحديث، ودون أن يحظى بالحد الأدنى من الدراسة العلمية الدينية المنهجية. وبما أنه سنّ أكثر من سنة سيئة في أوساط أنصاره والمتأثرين به؛ فإن عليه وزرها أو جزء منها.
خلاصة الموضوع؛ أعتقد أن من الضروري أن لانركن الى أفكار شريعتي في الموضوعات المتصلة بالعقيدة والفقه ودراية الحديث والمرجعية الدينية ومؤسستها، أي لا نكون معه في أفكاره التي تتعارض مع ثوابت التشيع العقدية والفقهية ومساراته النهضوية التاريخية ونظامه الاجتماعي الديني، وهي الأفكار الكارثية الخاطئة التي رفضها فقهاء النهضة ومراجعها كالامام الخميني والشيخ مرتضى المطهري.
أما فكره الاجتماعي الإصلاحي النهضوي، الذي يعد مساحته التخصصية التي أبدع فيها وحقق عبرها نجاحات ملحوظة؛ فقد كان فكراً مفيداً ونافعاً في وقته، وتحديداً خلال مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ولعل بعضه لايزال نافعاً حتى الآن، شأنه شأن أفكار كل المفكرين الاجتماعيين النهضويين المعاصرين، الذين يستندون في فكرهم النهضوي الإصلاحي الى قاعدة الدين (الإسلام)، بدءاً بالسيد جمال الدين الأفغاني وحتى اللحظة؛ الأمر الذي يستدعي القيام بغربلةٍ تخصصية لمؤلفات الدكتور شريعتي، والاستفادة مما يمكن أن ينفع لواقعنا الاجتماعي الديني

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *