أترانا اليوم أحسن حالا من عرب الجاهلية الذين مزقت العصبية القبلية وحدتهم فكانوا حربا وثارات فيما بينهم ، فلما جاء الاسلام جعل كلمتهم سواء ليفتحوا الأمم على هدى العذل والفضيلة والنور المبين ، ثم ليؤسسوا حضارة كان لها القدح المعلى .
انه الايمان بهذا الدين هو الذي أنار بصيرتهم وحرر عقولهم .
فهل نحن اليوم لنا ايمان بوطننا على الأقل ليكون الانتماء اليه عامل وحدة بدلا من الانتماء الى أحزاب تتصارع فيما بينها طلبا لغنيمة أو مكسب .
أليس حب الوطن هو الايمان بكل مواصفاته ؟ فلماذا نكون على فرقة وخصومات تلحق بالوطن أذى كثيرا وتعود به القهقري الى عصور غابرة ؟
ان الأمر برمته بحاجة الى وقفة ندرك بها أن الوطن أغلى من أن تكون منحازين الى طائفة أو حزب .. اذ ليس غير الوطن يجمعنا على طريق صائب .
كان أبناء الوطن الى عهد قريب تحت قبضة الجلاد يذلهم ويقسو عليهم ، سفاحا لا يعرف قلبه الرحمة فلما سقط وولت أيامه وجدنا أنفسنا نتنفس عبق الحرية لأول مرة بعد تلك القيود الغاشمة .غير أن هذا الفجر الجديد ما لبث أن بددته ظلمة حالكة اذ لم نعرف كيف نمسك بزمام الأمور وسادت الساحة فوضى وارتباك وتعثر.
انها الديمقراطية الجديدة التي أراد بها الاحتلال أن يخدعنا ويساوم عليها ضمائرنا لنكون تحت حمايته .
وتكاثرت الأحزاب من حولنا ، كل حزب يرفع شعارات يتبين فيما بعد أنها مضللة وخادعة ، وراح الساسة الذين تولوا زمام الأمور يماطلون بالوعود التي من شأنها أن تنهض بالوطن الى عليائه ومجده ، غير أن السنوات مضت دون أن تتحقق الأماني التي حلم بها ابناء الوطن طويلا .
انه الكذب والرياء ومعهما الاثرة لنكون ضحية هذه اللعبة القذرة .
وهكذا راحت الآلام تعتصر قلوبنا ونحن نرى كل يوم معضلات جمة ليست لها حلول بينما تتكالب القوى السياسية على منافع ذاتية تريد الربح لها على حساب شعبها .
وهكذا أيضا أصبح الانتماء الى فئة أو طائفة أو حزب أولى من الانتماء الى الوطن في نظر هذا النفر أو ذاك ، متناسين أن حب الوطن يفرض عليهم الولاء له أولا وأخيرا لان خيمته وحدها هي التي تجمعهم .
ربما يسأل سائل : أليست الأحزاب مكسبا سياسيا ديمقراطيا تلعب دورا في مقارعة الأخطار التي تواجه الوطن ؟
والاجابة على هذا السؤال تكمن في طبيعة تلك الأحزاب والدور الذي تضطلع به في بناء وطن حر مزدهر , أما أن تتخلى عن مشروعها الوطني جاعلة من الحزب مجرد وسيلة لتحقيق مآربها فهو أمر يخيب الآمال ويبعث على الأسى والمرارة .
ان كانت لنا رؤية بأن كفة الوطن تعلو على أية كفة فهي الرؤية السليمة أما اذا آثرنا المنافع الذاتية التي تحمل معها تعصبا أعمى فهو الضلال وضياع مستقبل وطن .
فهل تكون لنا عبرة بقوافل الرجال الذين بذلوا دماءهم قربانا لوطنهم ، وننسى كل شحناء وبغضاء فيما بيننا !