يعيش العراقيون قضية جدلية منذ تسعة أشهر، نتيجة الخلافات السياسية العميقة، وإرهاصات ما بعد أنتخابات 2021 والصعوبات التي يواجهها تشكيل الحكومة بعد إنقضاء هذه الفترة الطويلة، واللغط الإعلامي الكبير نتيجة بروز تشكيلات سياسية جديدة في الساحة العراقية بعد أحداث تشرين.
محاولات كثيرة سعت لتصوير الاوضاع الحالية بالسوداوية، وجره الى مرحلة ما قبل عام 2003 وأنه كان “الزمن الجميل” على العراقيين، وأن سياط الجلادين وزنازين السجون ومقاصل الاعدام، وحفلات قطع الألسنة والمقابر الجماعية والحروب العبثية، هي حال أفضل للعراقيين من الوضع الراهن، الذي ينعمون فيه – رغم بعض الملاحظات السلبية- بحريات على مختلف الاصعدة، تفوق ما يحيط بهم من بلدان، بل ربما حتى المتقدمة منها.
تراهن تلك الاجندات على ايصال العراقيين الى حالة اليأس والإحباط، وإيقاعه في فتن إجتماعية وسياسية من أجل إقناعه بحالة فشل ظاهري او جزئي في جميع الاصعدة، مستغلة التوترات السياسية, التي هي مسألة طبيعية لتجربة وليدة لم تنضج بعد كالتجربة العراقية، وبالتالي تستغله من أجل الإنقلاب على واقعه الحالي، الذي يتمنى آخرون الحصول عليه.
نحن سننجح .. رغم صعوبة الاختبارات وحجم البلاءات، وفشل كثير منا في الدور الأول، لكن المفرح أن هناك محاولات أخرى، ولا نحتاج الا لقليل من المراجعة وتنشيط الذاكرة وإستحضار الهمة، والرغبة في الوصول الى الهدف المنشود، بعيدا عن المهاترات والمناكفات، وكل “ما ومن” يحاول أن يلهينا عن الوصول الى غايتنا.
لو نظرنا الى نصف الكأس الفارغ لرأينا مشاكل إجتماعية كثيرة، تجارة المخدرات وإحتلال وطائفية، ومطامع دول الجوار ومصالحها، بقايا نظام البعث، مشاكل سياسية بين المكونات وحتى داخل المكون نفسه، لكنها موجودة في أغلب دول العالم، فكيف ونحن العراق؟
من جانب اخر فعند النظر الى النصف المملوء.. فالوضع الاقتصادي للعراقيين، أفضل من دول كثيرة مستقرة ولا توجد لديها ظروف كظروفنا, منها إيران وتركيا وسوريا والأردن ومصر ولبنان، بل وكثير من دول العالم تحسد العراقيين على ماهم فيه، فحرية الرأي عندنا لا تتوفر في أعرق الدول ديمقراطية، حتى أنك تنتقد من تريد من مسؤولي الدولة وتذهب الى فراشك مطمئن.
أما المشاريع الخدمية والعمرانية، فمن يريد أن يشاهد فإن أغلب المحافظات تسير فيها المشاريع العمرانية على قدم وساق بالأخص خلال السنتين الماضيتين، ولا تكاد تخلو مدينة عراقية من مشاريع في المدارس والطرق والبنى التحتية.
مشكلتنا أننا ننظر الى السلبي فنضخمه وننظر الى الإيجابي فنستصغره، بفعل تأثيرات إعلامية وغايات مشبوهة تريد إفساد التجربة العراقية ما بعد 2003 وسلب الانجازات الكبيرة التي تحصل عليها العراقيون، وإعادتنا الى حكم الدكتاتورية المظلم.