بقلم | الكاتب أمير ناظم

 

لا يكاد يبتسم حتى يعقد حاجبيه, بل لا يسفر عن أسنانه إلا في حالة السخرية من الآخرين, ينبعث الشرار من عينيه في معظم ساعات يومه, فلا تفتأ أن تراه ساكنًا حتى ينقضّ على الآخر بوابل من الجُمل الملتهبة غضبًا, يسير على جمر وليس على أديم هذه الأرض الرحبة, فهو يمرّ على البائسين بروح القائد المقدوني, يعيش على مخاوف الآخرين ويتنفس عبق الوجع, لا يعرف شيئًا اسمه رحمة, فمن يخالفه في المبدأ أو الرأي بمقام الخنزير, وعلى تلك الشاكلة أفنى نصفًا من حياته.

 

وقف على باب مكتبة جلّ عناوينها لمؤلفين غربيين, أنشتاين, دوكنز, براون, نيتشة, سبينوزا, هيجل, ماركس, هاوكينج, ماركيز, وغيرهم من التنويريين الأوربيين, أولئك الذين ساهموا بتغيير أوربا العصور المظلمة إلى ما هي عليه الآن, فانعقد حاجباه كالعادة وتشظى الشرار من عينيه المخيفتين, وحلم بأنه يحرق المكتبة وهو يضحك على رمادها كمجنون, ولكن الأمر ليس بيده, فاحتقن الغضب بصدره واحمرّ خدّاه, فوقف على رأس الكُتبيّ المنشغل بحسابات الديون التي حرقت نضف رأس ماله, ومن دون أي تحيّة سأل ذو الحاجبين المنعقدين بصوت مرتجف تصحبه حشرجة: كيف سمحت لنفسك أن تأتي بهذه الكتب؟ ألا تعلم بأن مؤلفيها لا يؤمنون بالله؟

فالتفت الكُتُبيّ المتْعَب إليه مستهجنًا وبقي صامتا قليلًا, ثم قال على عجالة: أنا تاجر, فالكتب أيضًا بضاعة, وجَلْبي لهذه العناوين لا يعني أني أعتنق أفكارها, علاوةً على ذلك, فلدي عناوين لمؤلفين مؤمنين, فهذا ميليشا الإلحاد وهذا العلمانيون طاعون العصر, وهذا دلائل الربوبية وهذا دلائل النبوة… وكثير من العناوين الأخرى!

 

فارتجفت أطراف ذي الحاجبين وازداد احمرار وجهه وانتفاخه حتى كاد ينفجر, وقال بصوت أخفّ حدّة من قبل: ولكن الشباب يتأثرون بهذه الأفكار ويمشون بطريق مظلم, ضلال بضلال… وستكون أنت حامل لوائهم إلى النار يا رجل.

 

كان الكُتبيّ يلملم أوراقه ويضع الكتب المبعثرة في أماكنها ورفوفها, فاعتدل بجلسته وأخذ نَفَسًا عميقًا محاولًا أن يهضم حديث هذا الرجل ليستأنف عمله, فأشار ببيده إلى رأسه: وإن يكن, فلماذا ومِمَ أنت خائف؟ الأفكار والنظريات والرؤى والكتب… متاحة سواء في مكتبتي أم في الأنترنت, فهل تظن بأني إن لم أجلب هذه الكتب ستكون في طي النسيان؟ اضغط زرّين في تلفونك وستجد هذه الكتب بطبعات أفضل مما عندي, وهي متاحة مجانًا, أرجوك, إن لم تكن لديك نية بالشراء, فدعني أكمل يومي هذا بسلامة.

 

ولكنك تروج لهذه الأفكار، فانت كالداعية للإلحاد، فلا تبرر ذلك بتجارتك، هذه الكتب بمثابة السم الذي يفتك بجسد المجتمع المشتت؟!

 

أدركَ الكُتُبيّ أن المحادثة ستطول، وأن ذا الحاجبين المنعقدين لن يقتنع بشيء، فقال بامتعاض: أنا أعتذر منك، وسأوقف استيراد هذه الكتب.

 

وافتعل ابتسامة مزيفة، فظن الرجل الحانق أنه انتصر، وأدار وجهه عائدا إلى المطعم القريب ليملأ بطنه الكبير مخبئا المسدس الأميركي أسفل إبطه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *