لو كانت قد بقيت لدى مخلوقات النظام السياسي المتعفن في العراق ولو ذبالة ضمير تنوس مابين الموت والحياة لكانوا قد أنصتوا الى ماجاء في كتاب الله عسى أن يفتح عليهم بصائرهم: (اعْلَموا أنّما الحياة الدنيا لَعِبٌ ولَهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموالِ والأولادِ كَمَثَل غيثٍ أعجبَ الكفارَ نباتُه ثم يهيجُ فتراهُ مُصْفَراً ثم يكون حُطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوانٌ وما الحياةُ الدنيا إلا مَتاعُ الغُرور). لكني متيقن ألا حياة لمن ينادي الله فعمى الجشع والطمع وإنعدام الإيمان الصادق عادة ما يميت القلوب والضمائر ويحيلها الى رماد في يوم عاصف إشتدت ريحه. تقدم لنا تجربة هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم، فجأة، وبفضل المحتل الأمريكي الذي إستقدمهم معه، يتربعون على كراسي السلطة والمال، درساً بليغاً جداً يقول أنه كلما إشتد صراخ أدعياء الدين وحتى بعض الداعين الى دولة (مدنية!) ومعهم جوقات المنافقين والإنتهازيين اللاعبين على كل الحبال وكلما إرتفعت أصواتهم تدعوا الى البر والتقوى وإتباع أوامر الله وتجنب نواهيه، كلما كان ذلك كله نذير شؤم على الناس ومؤشراً على أن الأمور تسير معهم في الإتجاه المعاكس أي نحو مزيد من السرقة والفساد والإرتماء في أحضان الأجنبي. فعلى مدى تسعة عشر عاماً من مسيرة من تسلطوا على مقدرات هذه البلاد نراهم يمعنون في نهب ثرواتها وحولوها الى عقارات وأرصدة في الخارج أو الى مرتبات تقاعدية لمن لايستحقها والى منح وإكراميات ونثريات بطرق وأساليب لم تخطر على خيال إبليس ذاته والمصيبة أن كل هذا يتم تحت غطاء قانوني وشرعي لأنهم يتحكمون بمنافذ هذه المؤسسات ويمسكون بها. وتبلغ الصلافة والصفاقة عندهم أنهم يخرجون على الناس البسطاء ويقسمون أنهم فقراء ومدينون وأن أياديهم لم تمتد يوماً الى المال العام لأنه حرام. لايتعظ الجهلة عادة بدروس التاريخ عندما يتخيلون بقاء الحال على ماهو عليه ولا يدركون أن هذا هو المستحيل. لابد من أن ينهض يوماً ما الفقراء والمظلومون كي يستردوا حقوقهم التي سلبها حفاة الأرصفة ممن قدر لهم بضربة حظ أمريكية أن يتربعوا على كنوز هذا الوطن المبتلى شعبه بالبؤس والجهل والمرض والبطالة. لكن أكثر ما نخشاه أن يتم هذا بلغة العنف وهي اللغة التي يبدو أنها الأكثر وقعاً في نفوس وعقول عامة الناس الآن فحذار من صولة الجياع.