تحقق الحوار بين التيار والإطار، من دون الحاجة الى الجلوس حول الطاولة المستديرة أو المربّعة أو المثلّثة. أرسل التيار مطلبه المركزي في خطاب معلن متجسداً في حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة، وجاء الجواب الفوري من اقطاب الإطار بالموافقة والتعاطي الإيجابي، كأنهم كانوا ينتظرون هذه الكلمات تنزل عليهم من السماء، وذهب بعضهم الى القول انّ إعادة الانتخابات المبكرة كانت مطلب قوى الإطار اصلاً، وقد فسح التيار لها تلبية ما في نفسها.
أليس هذا حواراً بين طرفين؟
دستور البلاد الضعيف والمتخلخل والمطاطي والشبيه ببنود البيانات الحزبية في بعض مواضعه، لا يجيب على سؤال مدى شرعية إقامة انتخابات مبكرة بعد أخرى مبكرة سبق أن عجزت عن تشكيل حكومة، وقد يصار الى انتخابات ثالثة مبكرة عندما تتعثر ولادة الحكومة التالية، وهكذا دواليك الى ما لا نهاية، مادام يوجد طرف او طرفان في حالة عدم رضا على النتائج. ودستورنا العتيد، ما شاء الله، يسمح لهذا الامر ولسواه بحسب عتاة المفسرين الجاهزين في أيام المآزق، كما انّ موازنة البلاد تحتمل صرف مئات الملايين لتمويل انتخابات مبكرة جديدة، فلا يوجد مَن يعترض على تبديد أموال طائلة على انتخابات مقسّمة ثلاثياً في الأساس ونتائجها العامة واضحة قبل ان تجري، باستثناء الخلاف على تفاصيل داخل ركن من الأركان الثلاثة. والعقدة المتكررة ستكون جاهزة أيضاً وهي رفض حكومة الأغلبية.
ربّما اقتضى تعديل الدستور، وهو أمر مستبعد بُعدَ السماء عن الأرض، أن يتوافر على تثبيت نص الانتخابات المبكرة كأساس دستوري وجعل الانتخابات العامة حالة استثنائية تنتظر استقرار أوضاع البلد. لا عجب في ذلك، فالأمور تستقيم غالباً في العراق من خلال قلبها رأساً على عقب، وحينها فقط تنبسط أسارير جميع الضالعين والراسخين في المشهد المتداول ابتهاجاً بها.
من اين جاءت الثقة في انّ الانتخابات المبكرة الجديدة ستأتي بوجوه غير فاسدة، مادامت هذه وتلك التي سبقتها من نتاج نفس
القوى والزعامات؟
ماذا جنى العراقيون من المبكرة الأولى لكي ندخل في الثانية والثالثة؟ مَن الذي كان يعطي غطاء الشرعية للفاسدين المقصودين حصرا في تلميحات التيار الصدري سوى الانتخابات؟ فهل توجد ضمانات او خلطة سحرية للخروج بانتخابات مختلفة من كل النواحي؟
وهل يتخلّى الفاسدون أصحاب الكراسي عن الدورة المبكرة المقبلة بسهولة، وقد صرفوا الملايين حتى وصلوا لمقاعدهم ولم يتسنَ لهم جني تعويض ما صرفوه، كما اعتادوا في كل دورة؟