بدخول جمهور التيار الصدري الى البرلمان، انغلقت أمامه فرصة إبقاء الكاظمي لولاية ثانية. كانت مظاهر اقتحام المنطقة الخضراء والسيطرة على البرلمان، قد أزالت من التصور احتمال بقاء الكاظمي في رئاسة الوزراء. لقد صار الرجل وكأنه دمية ورقية متطايرة مع دخان النارجيلات والشواء وقدور الطباخين المهرة.

بهذه الخطوة يكون السيد مقتدى الصدر قد أنهى حليفه الأقرب، سياسياً وأسقطه من الاعتبار نهائياً كرجل يصلح للإدارة والمسؤولية. فلم يعد أمامه سوى خيار الابتعاد عن الموقع الأول في الدولة بأسرع ما يمكن، ليمنع عن نفسه تداعيات أشد سوءاً مما حصل.

في المقابل فان الكاظمي ورّط نفسه في حسابات خاطئة، حين سمح للتيار الصدري باقتحام البرلمان، فظهر أمام الشعب والقوى السياسية بهيئة الكسيح العاجز عن حماية إحدى سلطات الدولة ورمز نظامها الديمقراطي. كانت حساباته في أدنى مستويات الخطأ وسوء التصرف.

لم يكن الكاظمي مخلصاً لأهم حلفائه وهو السيد مقتدى الصدر عندما وافقه على خطوة الاقتحام. فلقد وضعه في حرج شديد أمام الاعتبارات الدستورية. وكان المفروض منه أن يقدّم لزعيم التيار الصدري نصيحة ناضجة يشرح فيها تداعيات هذه الخطوة وآثارها، ليس على السيد مقتدى الصدر وحده، بل عليه أيضاً باعتباره رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة.

إن توقف زحف التيار الصدري عند البرلمان، جعل الكاظمي يبدو عارياً أمام الجميع، فلا حاجة لبذل الجهد وربط الوقائع للخروج بالنتيجة الصارخة بأنه تعمّد إيصال جموع التيار الى البرلمان، وبأنه يريد اسقاط السلطة التشريعية. وإذا ما حاول أن يدافع عن نفسه بالنفي، فعليه أن يقبل بصفة العجز وعدم الجدارة في البقاء بمنصبه.

وكان عليه أن يقدّم النصيحة والرأي لزعيم التيار بأن التصعيد داخل المنطقة الخضراء وبهذا الشكل الذي حصل وتعطيل البرلمان، يرتدّ عليه سلباً باعتباره زعيم أكبر كتلة برلمانية، وأنه اختار الانسحاب احتجاجاً على الفساد والمحاصصة.

لقد كان عليه أن يضعه أمام الصورة الحقيقية لما سيقوله الدستور والقانون والمجتمع الدولي في حال احتلال البرلمان. وكان عليه أن يبيّن له بأن أفضل المواقع وأقواها ستكون بيد السيد مقتدى الصدر عندما يتخذه موقع المعارضة الجماهيرية، فيعطي رأيه في مرشح رئاسة الوزراء وفي التشكيلة الحكومية، وسيكون لرأيه الفعل المؤثر عند قادة الكتل.

كان مصطفى الكاظمي قبل الهجوم على البرلمان يمتلك مرجحات البقاء بنسبة يُعتد بها. فهو يحظى بدعم السفارة الأمريكية والدول الإقليمية والقيادات الكردية والسنية الى جانب تبني السيد مقتدى الصدر له ولبقائه في السلطة. لكنه أضاع فرصته نهائياً بإرادته، وعرّض حليفه لحرج شديد.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *